17‏/02‏/2022

ياروسلاف سيفرت والحزب الشيوعي

 

ياروسلاف سيفرت والحزب الشيوعي

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     وُلد الشاعر التشيكي ياروسلاف سيفرت ( 1901_ 1986) في العاصمة براغ ، لأسرة عُمَّالية. والدته كاثوليكية مُتحمِّسة ، ووالده مناضل اشتراكي .

     عَرف سيفرت _ خلال سنوات حياته الأولى تحت الإمبراطورية النمساوية المجرية _ الفقرَ الذي ضرب عائلته ، كحال جميع سكان الأحياء العُمَّالية في براغ ، وخاصَّة ( حي جيجكوف ) ، حيث وُلد. لهذا له مكانة بارزة في التَّشكل الاجتماعي، كما أنه عالَم البؤس والاستغلال والخطيئة، وأيضًا ، عالَم الطبقة العاملة والمراقص الشعبية والحانات .

     وعلى الرغم مِن إرادة والديه _ اللذين كان يُحبهما بإخلاص _ ، غادرَ الثانوية قبل حصوله على البكالوريا، لِيُخصِّص وقته للشِّعر والثورة الاشتراكية ، التي هَزَّت العالَمَ بعد انحدارها من الحرب العالمية الأولى.وفي الثامنة عشرة من عُمره، بعد أن شاركَ لفترة قصيرة في الحركة الفوضوية، نشرَ أُولى قصائده في صحيفة " حق الشعب" الاشتراكية الديمقراطية .

     في عام 1921، نشرَ أول دواوينه " مدينة الدموع "، يَوْمها كان يَعتبر نفسه شاعرًا بروليتارِيًّا، وهي لافتة جُمع تحتها العديد من كبار الشعراء في عشرينيات القرن العشرين .

     عَبَّرَ في قصائده عن موقفه البروليتاري مِمَّا يجري حوله ، وعن تطلعاته الثورية . أمَّا في ديوانه الثاني " حُب بِحُب " ( 1923) ، فقد امتدحَ التطور التقني الحضاري التشيكي ، واللذة الحِسِّية، والسَّفر إلى أمكنة بعيدة مجهولة، وجماليات تفاصيل الحياة اليومية . وشَكَّلَ هذا الديوان على صعيد الشكل والمضمون نقلةً نوعية في شِعر سيفرت نحو المذهب الشِّعري ، الذي تجلى في ديوانه " على مَوجات الأثير " ( 1925) .

     وبعد إقامته مدة عام تقريبًا في الاتحاد السوفييتي السابق ، نشرَ في عام 1926ديوان " غِناء عندليبك لا يُطرِب " ، الذي تناولت قصائدُه مسائل اجتماعية شائكة ، أدَّت إلى جانب مواقفه السياسية المنفتحة على الآخر ، إلى طرده من الحزب الشيوعي التشيكي عام 1929.

     وفي دواوينه اللاحقة ، مِثْل : " تفاحة مِن الغصن " ( 1933) . " وداعًا للربيع " ( 1937)، التفتَ إلى موضوعات الوطن والطفولة وبيت الأسرة ، ولا سِيَّما موضوع الأم ، ودور المرأة في بناء المجتمع. وبسبب مواقفه الصريحة من خطر النازية على الوطن ، ومِن فاشية موسوليني وفرانكو، عادَ التقارب بينه وبين الحزب الشيوعي ، ولكن إلى حين .

     في أثناء الاحتلال النازي لوطنه ، نشر سيفرت المجموعة الشِّعرية " مِرْوحة بوجني نيمكوفي " (1940) ، التي أكَّدت قصائدها على الوَحدة الوطنية ، وعلى ضرورة تَوطيد الثقة بالنَّفْس في مُواجهة الطغيان من أجل التحرير . وفي عام 1945، صدرت له مجموعة " خُوذة مِن تراب " ، التي مَجَّدَ في قصائدها انتفاضة مدينة براغ ، وتحرُّر بلاده من الاحتلال النازي .

     في أثناء الستينيات ، نشر سيفرت " كونسرت في الجزيرة " ( 1965) ، و " مُذنَّب هالي " ( 1967) ، اللذين حملت قصائدُهما الكثير من سمات السيرة الذاتية بصدق حياتي مُؤثِّر وشعرية نفَّاذة ، فلُقِّبَ سيفرت " شاعر الأُمَّة التشيكية " . لكنَّه عندما عارضَ غزو الجيش السوفييتي لتشيكوسلوفاكيا عام 1968، لإسقاط ما سُمِّيَ آنذاك " ربيع براغ "، طُرد مُجَدَّدًا من الحزب الشيوعي، وأُلْقِيَ عليه وعلى أعماله ستار من الصمت والتهميش ، مِمَّا دفعه إلى نشر دواوينه الجديدة في ألمانيا الغربية . وقد هيمنت على دواوين السبعينيات والثمانينيات موضوع الشيخوخة ومواجهة الموت ، كما في " عمود الطاعون " ( 1981) ، و " أن تكون شاعرًا " ( 1983) .

     حصل سيفرت على جائزة نوبل للآداب عام 1984. ووَفْقًا لموقع جائزة نوبل الرسمي ، فقد حصل على الجائزة : " لأشعاره التي تُغطِّيها العذوبة وثروة الابتكارة ، مِمَّا يُقدِّم صورة مُتحرِّرة عن رُوح الإنسان وبراعته التي لا تُقهَر " .

     ورأى بعضُهم أن الجائزة تكريم لجيل طويل من أولئك الكبار في الشِّعر التشيكي الحديث . وكان سيفرت الوحيد الذي لا يزال على قَيد الحياة بينهم. وفي بيان الجائزة ، جاءت عبارة اللجنة على النحو الآتي : " أكبر شاعر وجداني خلال ألف سنة في الأدب التشيكي، كما أنه مُعلِّم كبير مِن مُعلِّمي الشِّعر العالمي " .

     في ديوانه الشِّعري الأخير " أن تكون شاعرًا " ( 1983) ، يعود الشاعرُ إلى مراهقته ، وإلى حُبِّه الأول : (( عَلَّمَتْني الحياة / مُنذُ زمنٍ طويل / أن أجمل الأشياء التي يُمكنها مَنحنا إيَّاها / الموسيقى والشِّعر / إِن اسْتَثْنَيْنَا الحب طَبْعًا )) .