18‏/02‏/2022

ياسوناري كاواباتا وغموض الانتحار

 

ياسوناري كاواباتا وغموض الانتحار

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     وُلد الأديب الياباني ياسوناري كاواباتا ( 1899_ 1972) في أُوساكا ، لعائلة ثرية ومثقفة ، ولأب طبيب مشهور . أهَّله إبداعه النثري المكتوب بلغة شِعرية راقية وغامضة ، للحصول على جائزة نوبل للآداب عام 1968، ليصبح أوَّل كاتب ياباني يَفوز بهذه الجائزة العالمية .

     فقدَ والديه عندما كان في الثانية من عُمره ، ليقوم جَدَّاه بتربيته بعد ذلك . وكان له أخت كبرى أخذتها عمَّة بعيدة لِتُرَبِّيها. ماتت جَدَّته عندما أصبح في السابعة مِن عُمره ، وتُوُفِّيَت شقيقته التي رآها مَرَّة واحدة فقط منذ موت والديه ، عندما أصبح في العاشرة ، وعندما صار في الخامسة عشرة مِن عُمره تُوُفِّيَ جَدُّه . وتركت هذه الأزمات تأثيرًا كبيرًا في طفولته ، وولَّدت لَدَيه الشعور بالفقدان والحرمان والأسى الذي لَوَّنَ كتاباته لاحقًا ، وأُطْلِق عليه لقب " سَيِّد الجنائز " .

     وبفقدانه كل أفراد عائلته الأقربين ، انتقل للإقامة مع عائلة والدته. ثُمَّ انتقلَ في يناير 1916 إلى بيت داخلي قُرب المدرسة الثانوية حيث يَدرس . وبعد تخرُّجه مِنها في 1917 ، انتقل إلى طوكيو آمِلاً في اجتياز امتحان المدرسة الثانوية الأُولَى ، التي كانت تعمل بإدارة جامعة طوكيو الإمبراطورية.نجح في الامتحان ، ودخل كلية الدراسات الإنسانية ، ليتخصَّص في اللغة الإنجليزية.

     عندما كان طالبًا في الجامعة، أعاد كاواباتا إصدار مجلة جامعة طوكيو الأدبية " اتِّجاهات الفكر الجديدة " التي كانت مُعطَّلةً لأكثر من أربع سنوات . وفيها نشر قصته القصيرة الأُولَى " مشهد من جلسة أرواح ". وخلال سنواته في الجامعة، بَدَّلَ اختصاصَه إلى الأدب الياباني، وكتب أُطروحة تخرُّج بعنوان : " تاريخ موجز للروايات اليابانية " .

     بدأ كاواباتا في جذب الانتباه إلَيه بعدد من القصص القصيرة بعد تخرُّجه بوقت قصير . وأشادَ النُّقاد بقصته " راقصة آيزو " ( 1926) ، وهي قصة بزوغ حُب جديد إيروتيكي . ومعظم أعماله اللاحقة تستكشف ثيمات مُتشابهة." بلد الثلج" واحدة من أشهر رواياته ، بدأ كتابتها في 1934، ونُشرت مُسَلْسَلَة مُنذ 1935 حتى 1937 . قصة حُب بطلها شاب يهوى الفن من طوكيو ، وتدور أحداثُها في مدينة بعيدة، ربيعها حار. مكان ما في الغرب ، قُرب جبال اليابان الشاهقة. رَسَّخت كاواباتا كأحد أبرز الكُتَّاب اليابانيين ، وأصبحت إحدى الكلاسيكيات .

     الكتاب الذي اعتبره كاواباتا أفضلَ أعماله ، كان " سَيِّد الغو " ( 1951) ، الذي يتعارض بشدة مع أعماله الأخرى . رواية شِبه خيالية عن مبارة غو كُبرى في 1938. كانت آخرَ مباراة في مسيرة الْمُعلِّم شوساي المهنية ، وخسرها لصالح مُتَحَدِّيه الأصغر سِنًّا ، ليموت بعد سنة أو أكثر بقليل . ورغم أنَّ الرواية تتحرَّك على السَّطح كإعادة حكاية لكفاح مُشوِّق ، إلا أنها اعْتُبِرَت روايةً رمزية تُوازي هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية .

     كتب كاواباتا أيضًا أكثر من 140 قصة قصيرة، كان يُطلِق عَلَيها " قصص كف اليد " لقصرها. إِذْ إِن طُول القِصَّة بين الصفحة والسبع صفحات . جَسَّدَ فيها عُمقَ العاطفة الإنسانية ، وسَبَرَ أغوار النَّفْس البشرية . وكانت القصة القصيرة جدًّا الجِنس الأدبي المفضَّل لَدَيه ، إذْ وَجد في المساحة المحدودة فيها مَيِّزةً ، مَكَّنته مِن استخدام الغموض الذي بَرع فيه ، ومِن ترك العنان لخيال القارئ. واقترب في أسلوبه هذا من الشِّعر. إذْ تُشبِه كُل قصةٍ قصيدةً شِعرية، في عُمقها وكثافة رُموزها وتركيزها . كان يكتب القصص ، الواحدة تِلْو الأخرى ، وكأن الواحدة تُلهِم الأخرى كما القصائد ، فتأتي باندفاعات إبداعية مُفاجئة وغزيرة .

     وما يُميِّز قصصه القصيرة ليس فقط كثرة عددها ، وإنما تَنَوُّع موضوعاتها وأسلوبها . فبعضها يمتاز بِوَحدة النص وتماسكه، وبعضها الآخر يأتي بصيغة مُفكَّكة كالْحُلْم بأسلوب انطباعي. وتُشكِّل هذه القصص بمجموعها مِرآةً كبيرة للحياة الإنسانية . وقد جُمعت في مجلدات كثيرة ، وتُرجِمت إلى لغات عِدَّة ، فَحَقَّقت انتشارًا بين القُرَّاء في الغرب . وكانت آخر هذه القصص القصيرة قِصَّة اختزلها عن روايته " بلد الثلج " بعنوان " لقطات من بلد الثلج " ، التي شَكَّلت تَحَوُّلاً في أسلوب التأليف الذي كان يَتبعه . إذْ كان يَستوحي رواياته الطويلة من فكرة بسيطة ، ويُسهِب ويَتوسَّع فيها ، بينما حدث العكس في قصته الأخيرة تِلْك . 

     انتحرَ كاواباتا في عام 1972 بخنق نفسه بالغاز . ووُضِعَت فرضيات مُتعدِّدة لتفسير انتحاره . ومِن بينها صِحَّته الضعيفة ، أو قِصَّة حُب مُحتمَلة مرفوضة من المجتمع ، أو صدمة انتحار تلميذه وصديقه يوكيو ميشيما عام 1970.وعلى أيَّة حال، فإنه_على العكس من ميشيما_لَم يترك رسالةً قبل انتحاره . وبما أنه لَم يُناقش مسألةَ الانتحار بشكل مُؤثِّر في كتاباته، فإن دوافعه تبقى غامضة .

     مِن أبرز رواياته : راقصة آيزو ( 1926) . عصابة أوساكا القرمزية ( 1930) . البحيرة ( 1954) . منزل الجميلات النائمات ( 1961) . العاصمة القديمة ( 1962) .