01‏/03‏/2022

يوهان فيخته والمثالية الألمانية

 

يوهان فيخته والمثالية الألمانية

للكاتب / إبراهيم أبو عواد

.......................

     وُلِد الفيلسوف الألماني يوهان فيخته ( 1762 _ 1814 ) في مدينة رامنو ، في ولاية ساكسونيا . بدأ دراسته في إكليريكية مدرسة جينا لللاهوت . في عام 1784 ، ودون إكمال شهادته أنهى فيخته دراسته ، ثُمَّ عمل مُدَرِّسًا خاصًّا في زيورخ .

     دَرَّسَ فيخته في جامعة يينا في الفترة ( 1794_ 1799 ) ، كما كان مُحَاضِرًا ذا شعبية ، إلا أنه فقد شعبيته بعد أن اتُّهِم بالإلحاد.وقد التحق بهيئة التدريس في جامعة برلين مِن عام 1810 إلى حين وفاته .

     يُعتبَر فيخته واحدًا مِن أبرز مُؤسِّسي الحركة الفلسفية المعروفة بالمثالية الألمانية ، الحركة التي تطوَّرت مِن الكتابات النظرية والأخلاقية للفيلسوف كانت . وكثيرًا ما يُقدَّم فيخته على أنه الشخص الذي كانت نماذج فلسفته جسرًا بين أفكار كانت وهيغل .

     بدأ الفلاسفة والدارسون حديثًا تقدير فيخته كفيلسوف هام في حَد ذاته ، لأجل رُؤاه المختلفة في طبيعة الوعي الذاتي والإدراك الذاتي . وكانت مشكلة الذاتية والوعي دافعًا لتأمله الفلسفي . وقد كتب أيضًا في الفلسفة السياسية . ويُنظَر إليه _ مِن قِبَل الكثيرين _ كأب للقومية الألمانية .

     في عام 1790 ، بدأ فيخته في دراسة أعمال الفيلسوف كانت ، التي اتَّخذها مرجعًا له طوال مسيرته الفكرية . وبعدها بوقت قصير التقى فيخته بأستاذه كانت في مدينة كونيغسبرغ .

     أصدرَ فيخته كتابه الأول " محاولة في نقد الثورة " عام 1792 . وقد حاولَ فيه الربط بين الوَحْي الإلهيِّ وفلسفة كانت المادية النقدية . ونُشِرت الطبعة الأولى مِن الكتاب بدون عِلم فيخته ولا كانت ، وبدون اسم المؤلف ، وبدون مُقدِّمة مُوقَّعة . وهكذا ظَنَّ القُرَّاء الْمُتابِعون خطأً أنه كتاب جديد للفيلسوف كانت نفْسه . جميع القُرَّاء في بداية الأمر ، ومِن ضِمنهم النُّقاد الذين كتبوا مراجعات أولية عن الكتاب ، ظَنُّوا أن كانت هو مؤلف الكتاب . حينها ظهر كانت للناس ووضَّح الالتباس الذي حصل ، وفي نفس الوقت أشاد بالكتاب ومؤلف الكتاب . وبعد هذا المديح والإطراء ارتفعت شُهرة فيخته .

     كان فيخته يُحاكي أسلوب كانت شديد الصعوبة . فَقَدَّمَ فيخته أعمالاً بالكاد مفهومة . وجاء في كتاب تاريخ الفلسفة كلام عن هذا الأسلوب الصعب : (( لَم يكن فيخته يَتردَّد في التَّباهي بمهارته الفائقة في التظليل والتعتيم . وكان يُشير إلى طلابه أحيانًا كثيرة بأنه ليس هناك إلا رَجل واحد فقط في العالَم يتمكن تمامًا مِن استيعاب ما يكتبه فيخته . وحتى هذا الرَّجل الواحد سَيُواجه مشاكل في اقتناص المعنى الحقيقي وراء كتابات فيخته )) . وهذه الملاحظة كثيرًا ما تُنسَب خطأً إلى الفيلسوف هيغل .

     يَعتبر فيخته أن العقل جوهر الوجود.ويُؤكِّد أن أفكارنا ليست وليدة التعامل مع العالَم المادي . وبدلاً من ذلك ، فإن عقولنا جزء من العقل المبدِع الكُلِّي . وقد تناولَ فيخته هذه الأفكار في كتابه " أساس النظرية الكاملة للمعرفة " ( 1794 ) . ومِن مؤلفاته السياسية الكُبرى ، كتابه الوطني     " خُطب للأمة الألمانية " ( 1808 ) . وفي هذا الكتاب ، عبَّر فيخته عن إيمانه بالحضارة الألمانية وبالروح الوطنية . وقد ترك الكتاب أثرًا كبيرًا على الوَعْي القَومي الألماني .

     قَسَّمَ فيخته الفلاسفة إلى قِسْمَيْن : 1_ الدوغماتيين ، أصحاب النظريات الذين يُؤكِّدون نظرياتهم أو أفكارهم ، ويرفضون كُل نظرية غَيرها ، أو القائلون بالوجود الحقيقي للمادة خارج العقل . إنهم مقتنعون بأن الأشياء موجودة بشكل مستقل خارج العقل أو النَّفْس . 2_ المثاليون ، الذين يعتقدون أن كل التجارب وكُل الحقائق هي مفاهيم عقلية . وعلى هذا فهي كُل الحقيقة .

     أصبحَ فيخته مُعْتَمِدًا في تدبير أمور معيشته على محاضراته العامة التي ينشرها ، وراح يَتَّجه أكثر فأكثر نحو الإيمان المسيحي، والوطنية الألمانية .

     وفي عام 1805 ، دُعِيَ ليشغل منصب أستاذ الفلسفة في جامعة إرلانجن ، فَحَقَّقَ لنفْسه فيها شُهرةً جديدة . اضْطُرَّ _ بعد دخول جيوش نابليون ألمانيا _ إلى البحث عن منصب أكثر أمْنًا ، فَعَبَرَ إلى شرق بروسيا ، وراحَ يُدرِّس لفترة في كونجسبرج ، وأدى اقتراب جيوش نابليون بعد ذلك بفترة وجيزة إلى انتقاله هذه المرَّة إلى كوبنهاجن . وفي أغسطس عام 1807 ، عادَ إلى برلين مرة أخرى بعد أن تعب من العيش بلا وطن ، وهناك ترك الفلسفة جانبًا ، وأعطى كل جهده لاستعادة كرامة شعب مُمزَّق طُعِن في كبريائه. وفي عام 1810، عُيِّن رئيسًا لجامعة برلين الجديدة. وعندما بدأت بروسيا حرب التحرير ، حَثَّ فيخته طلبته بحماس بالغ على طرد المحتل، حتى إن كلهم تقريبًا دخلوا الجندية . وتطوَّعت زوجة فيخته للعمل كَمُمرِّضة ، وأُصِيبت بالحمَّى ، فراحَ يعتني بها نهارًا، ويُلقي محاضراته في الجامعة مساءً ، وانتقلت إليه العدوى منها، فعاشت هي ، ومات هو في 27 يناير 1814 . وبعد ذلك بخمس سنوات ماتت ، فَدُفِنت إلى جواره على وَفْق العادة القديمة في الدفن التي تسمح للعاشقَيْن والزوجَيْن أن يُدْفَنا مُتجاورَيْن رمزًا لأنهما أصبحا بعد الموت كيانًا واحدًا ، حتى لو لَم يجتمع مِنهما سِوى العظام .