28‏/02‏/2022

غوته وتقديس الإسلام

 

غوته وتقديس الإسلام

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

......................


     وُلِد الأديب الألماني يوهان غوته ( 1749_ 1832) بمدينة فرانكفورت بألمانيا . ينحدر من أسرة برجوازية . كان والده خبيرًا حقوقيًّا ، وكانت والدته ابنة محافظ فرانكفورت .

     لَم ينتسب غوته إلى أيَّة مدرسة ، ولكنه تلقى تعليمه على يد أبيه ، وعدد من المعلمين الخصوصيين في اللغات والعلوم والمعارف المختلفة .

     غادرَ غوته مسقط رأسه عام 1765 ، مُتَوَجِّهًا إلى لايبزيغ لدراسة الحقوق ، نزولاً عند رغبة أبيه . لكنه أظهرَ اهتمامًا بمحاضرات الأدب ، كما اتصل بعدد كبير من الأدباء والفنانين .

     تعرَّض غوته لمشكلة صحية بعد أزمة عاطفية . وبعد أن تعافى منها ، توجَّه عام 1770 إلى مدينة شتراسبورغ ذات الهوية المزدوجة ( الألمانية / الفرنسية ) لِيُنهيَ دراسته في جامعتها . وقد حصل غوته على الإجازة في الحقوق ، وعادَ في نهاية عام 1771 إلى فرانكفورت ليمارس المهنة ، إلا أن والده وأحد أقربائه هُما اللذان أدارا العمل ، في حِين التفتَ غوته إلى كتاباته الأدبية ، فبدأ التخطيط لمسرحية " غوتس فون برليشنغن " ، وأخرجها عام 1773، ولاقت نجاحًا واسعًا ، ولفتت انتباه حركة " العاصفة والاندفاع " الأدبية الفكرية ، إذ شَعروا بشكسبير يُبعَث في ألمانيا.

     نشر غوته رواية " آلام الشاب فِرتر " ( 1774 ) ، وأحدثت عند نشرها دَوِيًّا هائلاً ، وجَعلت مِنه أديبًا مشهورًا ومحط اهتمام النُّقاد ، لا سِيَّما بعد أن نشر وأخرج في العام نفسه مأساة "كلافيغو" التي تُعالج الصراع بين الحب والوفاء مِن جهة،والطموح المهني والشهرة من جهة أخرى. وفي نفس المرحلة ، بدأ غوته العمل على مادة " فاوست " التي شغلت ما يُقارب ستة عقود من حياته حتى اكتملت فَنِّيًّا .

     واللافت في سَعَة اهتمامات غوته هو إعجابه بشخصية النبيِّ محمد عليه الصلاة والسلام ، وتناولها من وجهة نظر مُغايرة كُلِّيًّا لِمَا كان سائدًا آنذاك عن الإسلام ونَبِيِّه الكريم . ففي أوائل سبعينيات القرن الثامن عشر، اشتغل غوته على مسرحية بعنوان " محمد " بقيت غير مكتملة . تَعرض شخصيةَ النبيِّ بصفته عبقريًّا يحمل قَبَسًا رَبَّانِيًّا ، يُريد نشره بين الناس من أجل خَيرهم ، لكنهم يقفون في وجهه بقسوة ، إلى أن يُدرك بعضهم صدق الرسالة ، فَيُؤمِن ويُبصِر .

     انتقلَ غوته إلى إيطاليا ، وجالَ فيها مدة عامين . واكتشفَ فيها تجارب ثرية وعميقة على الصعيد الفني والأدبي والعلمي ، وعلى مستوى الاحتكاك المباشر بالناس والطبيعة .

     نشر غوته مجموعة قصائد " المراثي الرومية " ( 1790) إلى جانب بعض المسرحيات الترفيهية للبلاط . وفي هذه الأجواء التي أدَّت إلى ضعف علاقات غوته اجتماعيًّا وانعزاله النسبي ، مالَ قلبه إلى فتاة من عامة الشعب شِبه أُمِّية ، فأقامت في منزله مع أختها ، وإحدى قريباتها ، إلا أنه لَم يستطع الاقتران بها رسميًّا خَوْفًا من الوسط الاجتماعي. لكنها ظلَّت معه، وساندته كرفيقة وعشيقة، حتى عام 1806 ، عندما دافعت عنه ببسالة في وجه جنود نابليون ، فأعلن زواجهما ، واعترف بِأُبُوَّته لابنهما الذي كان في السابعة عشرة من عُمره حينذاك .

     في ربيع عام 1814 قرأ غوته ترجمةً لديوان الشاعر الفارسي حافظ الشيرازي ، وتأثَّر به إلى حد كبير ، لدرجة أنه ألَّف " الديوان الغربي الشرقي " ( 1819 ) كنتيجة لهذا اللقاء الروحي بين الشاعرَيْن . ويحتل هذا الديوان المرتبة الثانية في الأهمية بعد " فاوست " بين مؤلفات غوته كُلِّها .

     ويُعتبَر " الديوان الغربي الشرقي " أبرز وثيقة ، عبَّر فيها غوته عن موقفه من مسألة الأديان ( الإسلام واليهودية والمسيحية والمجوسية ) . وكان نصيب الإسلام الأوفر ، لا سِيَّما أن الديوان قد نشأ تحت تأثير إسلامي خالص عبر أشعار حافظ الشيرازي . ولهذا ، فإن الطابع الإسلامي غالب على كُل شيء فيه . حتى القصص التي وُجِدت أصولها في المسيحية ، ووردت في القُرآن ، أخذها غوته عن القرآن . ولطالما أظهرَ غوته إعجابه الشديد بالإسلام ، حتى عَدَّه والتقوى شيئًا واحدًا . وقد قال فيه أيضًا : (( إذا كان معنى الإسلام هو التسليم لله ، فعلى الإسلام نحيا ونموت جميعًا )). وقد قال عالِم اللاهوت السويسري هانس كونغ في كتابه " المسيحية وأديان العالَم "    ( 1970): (( ما مِن أحد ساهمَ في إعادة الاعتبار للإسلام في أوروبا بعد تهكُّم فولتير مِثل غوته، في الديوان الغربي الشرقي )) .

     مع مطلع عام 1832 ، أتَمَّ غوته " مأساة فاوست _ الجزء الثاني " . وبذلك يكون الشاعر قد أنجزَ العمل الجبار الذي رافقه طوال ستين عامًا من عُمره. وفيه أعاد صياغة الموضوع الشعبي في الشكل الكلاسيكي : ( مقدمة في السماء ) تتبعها خمسة فصول . وتتكوَّن المأساة من أبيات مُقَفَّاة ، أصبحَ معظمها مقولات مأثورة. وعلى الصعيد الفلسفي،صارَ قَدَر العالِم " فاوست"_ الذي لا تستطيع دراسة العلوم أن تُرضيَه _ مُمَثِّلاً لِقَدَر كُل إنسان طموح أخطأ الطريق ، فيظهر الشيطان ليعرض عليه خدماته ، مُطَالِبًا بروح " فاوست " ثمنًا لمساعدته ، ويصير العَقْد مع الشيطان رهانًا بين الاثنين . وتدور الأحداث في ظِل هيمنة الكنيسة الكاثوليكية على مقاليد الأمور كافة في العصور الوُسطى .