25‏/11‏/2023

رصاصة بين القناص ورغيف الخبز

 

رصاصة بين القناص ورغيف الخبز

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

أنا طِفْلُ المدارسِ المَنْسِيَّةِ تَحْتَ قَصْفِ الطائراتِ / نَسِيتُ دَفْتَرَ الرِّياضياتِ على الحَاجِزِ العَسكريِّ / وَنَسِيتُ جَدائلَ أُمِّي في حَقيبتي المدرسيةِ / نَسِيَ الأغرابُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ على نَوافذِ البُيوتِ / ونَوافِذُ البُيوتِ مِن عِظامِ الأطفالِ / رُبَّمَا أعُودُ إلى شَاطئِ البَحْرِ تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ / وأُمَارِسُ هِوَايَةَ الطفولةِ / أن أبْحَثَ عَن الرَّبيعِ بَيْنَ الجُثَثِ النُّحاسيةِ والرَّصاصِ المطاطِيِّ /

خَبَّأْنَا البَارُودَ في أكياسِ الطحين / طِفْلٌ يَتيمٌ يَرْكُضُ إلى النَّهْرِ في لَيْلةٍ بَاردةٍ / وفي الصَّباحِ الماطرِ / تُصْبِحُ جُثةُ الطِّفْلِ حَاجِزًا عَسكريًّا بَيْنَ الشَّركسياتِ والبُوسنياتِ / جَسَدي طَعامُ الدُّودِ / جَهِّزي الوَلائِمَ يَا رائحةَ الشَّمْسِ حَوْلَ شَواهِدِ القُبورِ / حُزني شَرَابُ الأيتامِ / وَتَنْشُرُ الأراملُ الغَسيلَ عَلى سُورِ المقبرةِ / والبَاعةُ المُتَجَوِّلُونَ يَبيعونَ الأكفانَ المُسْتَوْرَدَةَ في أزِقَّةِ المِيناءِ المهجورِ /

أَضَعُ جُثتي في حَقيبتي المدرسيةِ / وَأركضُ إلى المدرسةِ يَتيمًا حَافِيًا / يَعْشَقُ أشِعَّةَ القَمَرِ في ليالي البُكاءِ / أدْرُسُ الرِّياضيات مَعَ الجَرَادِ / وتَتساقطُ أجنحةُ الجَرَادِ في صَحْنِ السَّلَطَةِ / عَلى طَاولةِ الجِنِرَالِ في مَوَاسِمِ التَّطْهِيرِ العِرْقِيِّ / وَأُحَلِّلُ العَناصرَ الكيميائِيَّةَ في دِمَاءِ البَحْرِ / كَي أحْسُبَ عَدَدَ الجُثَثِ المَنْسِيَّةِ في طُرُقَاتِ المرفأ الغريقِ / أَسْمَعُ صُرَاخَ رَاهِبَةٍ مُغْتَصَبَةٍ في دَيْرٍ بَعيدٍ / لَكِنَّ الثلجَ يَفْصِلُ شَراييني عَن صَفَّاراتِ الإِنذارِ / في مُدُنِ الكُوليرا والانقلاباتِ العَسكريةِ /

الحكومةُ عَشيقتي الخائنةُ / وأنا أخُونُ قَلْبي مَعَ قَلْبي / كُلُّنا خَائِنُونَ في مَدينةِ الوَدَاعِ / والجُثَثُ لا تَزالُ تَحْتَ الأنقاضِ / والأيتامُ يَلْعَبُونَ بِكُرَياتِ دَمِهِم في طُرُقَاتِ الصَّقيعِ / والطريقُ إلى الدَّيْرِ مُعَبَّدٌ بأغشيةِ البَكارةِ للرَّاهباتِ المُغْتَصَبَاتِ / وَدَمُ الحَيْضِ عَلى الصُّلْبان / الجماجمُ الكريستاليةُ مُعَلَّقةٌ عَلى حَبْلِ الغسيلِ فَوْقَ سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ / أسْمَعُ بُكاءَ أُمِّي في لَيالي الشِّتاءِ الطويلِ / رَنِينُ دَمْعِها يَكْسِرُ مَساميرَ نَعْشي/ ولا أعْرِفُ هَل مَاتَ أبي أَمْ لَمْ يَمُتْ/ والأيتامُ يَنتظِرُونَ أمامَ الحواجِزِ العَسكريةِ / كَي يَسْتَلِمُوا جُثَثَ آبَائِهِم/ تقاعدَ حَفَّارُ القُبورِ/ والرُّفَاتُ يُهَنِّئُ الأمواتَ /

يُولَدُ الأطفالُ تَحْتَ أنقاضِ البُيوتِ / وألعابُهُم تَتَكَسَّرُ تَحْتَ حَوَافِرِ الخُيولِ الضَّوئيةِ / كَيْفَ يُفَرِّقُ الفُقراءُ بَيْنَ رَغوةِ الدِّماءِ وَرَغوةِ القَهوةِ ؟/كَيْفَ تُفَرِّقُ الطِّفلةُ العَمياءُ التي تَبِيعُ العِلكةَ على إشاراتِ المرورِ بَيْنَ السَّياراتِ الحكوميةِ وَعَرَبَاتِ نَقْلِ الموتى ؟ / أَشُمُّ عِطْرَ ابْنَةِ حَفَّارِ قَبْرِي / وَيَنْمُو التُّفَّاحُ بَيْنَ أصابعي / وَتَبكي نَوارسُ البَحْرِ على أشجارِ المقبرةِ / وتأتي أُمِّي مِن أرشيفِ الضَّحايا / كَي تَبْحَثَ عَن قَبْري أوْ قَبْرِ أبي / وَغَابَتْ شَمْسُ الذِّكرياتِ وَراءَ التِّلالِ الحزينةِ .