24‏/11‏/2023

وطن ميت يليق بفئران التجارب

 

وطن ميت يليق بفئران التجارب

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     نَحيا ونَموتُ / أوْ نَموتُ ونَموتُ / حَيَاتُنا الوَهميةُ كَانت مَوْتًا غَامضًا / وُجُودُنا المُؤَقَّتُ كَانَ مَوْتًا يُفْضِي إلى الموتِ / لَكِنَّنا نَخْجَلُ مِنَ النَّظَرِ في المرايا / كُنَّا مِثْلَ الفُقَرَاءِ الذينَ لا يَمْلِكُونَ ثَمَنَ إِعلانِ النَّعْيِ في الجريدةِ / تَرَكُوا إعلاناتِ النَّعْيِ لِمُلوكِ الطوائفِ وشُيوخِ القَبائلِ /

     رَاعي الغَنَمِ يُكَرِّمُ الفَيْلَسُوفَ/وَيَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِوِسَامِ الثقافةِ/ وَيُشَجِّعُهُ عَلى المُضِيِّ نَحْوَ الهاويةِ/ يَسيرُ القَطيعُ إلى حَافَةِ الجَبَلِ / ويَسْقُطُ في الهاويةِ / بَعيدًا عَن صَوْتِ مِزْمَارِ الرَّاعي / بَعيدًا عَن الرُّومانسيةِ التائهةِ بَيْنَ النِّعاجِ والحواجِزِ العَسكريةِ / رَمْلُ الصَّحْراءِ يُكَوِّنُ جَيْشًا مِنَ البَدْوِ الرُّحَّلِ لِتَحريرِ الأندلسِ / وَالبَدَوِيَّاتُ والغَجَرِيَّاتُ يَتَقَاسَمْنَ خِيَامَ اللاجئين / والأراملُ يَكْتُبْنَ قَصَائِدَ الحُبِّ عَلى عِظامِ الغَرْقى / وقَهْوَةُ العُشَّاقِ تُولَدُ عَلى طَاولاتِ المطاعِمِ الرَّخيصةِ / والشَّايُ الأخضرُ يَكتبُ تاريخَ الدَّورةِ الدَّمويةِ / لا تاريخٌ لِحُزْني إلا المرايا / ولا جُغرافيا لِدُموعي إلا التِّلال /

     في قَلْبي مَقبرةٌ مُحَاصَرَةٌ بَيْنَ الرُّخامِ والسِّيراميك / رَجُلٌ يَغارُ على امرأةٍ مِن زَوْجِها / وَالحُبُّ وَهْمٌ في أرشيفِ الضَّحايا / في مَقاهي العَاطِلِينَ عَن الوَطَنِ / تُرَبِّي الأرملةُ الكريستالِيَّةُ أبناءَها / لِيَصيروا بَراويزَ عَلى الحِيطان / كَأنَّني سَائِقُ حَافِلَةٍ جَميعُ رُكَّابِهَا مِنَ العَبيدِ والسَّبايا / كأنَّ غِشَاءَ البَكَارَةِ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ مَساميرِ النَّعْشِ وفِرَاشِ الموْتِ/ هَل أنا القائدُ الرَّمْزُ في مَملكةِ السَّرابِ أَم الضَّحيةُ الغامضةُ في غَاباتِ الكَهْرَمان ؟ /

     في آخِرِ لَيالي الخريفِ / تَغْسِلُ الأمطارُ الحواجزَ العسكريةَ / وتَظَلُّ الجُثَثُ مَجْهُولَةَ الهُوِيَّة / الفُقَراءُ يَنتظِرُونَ أمامَ الحواجزِ العَسكريةِ لاستلامِ جُثَثِ أقارِبِهِم / خَرَجُوا مِنَ الزَّمانِ لِيَعيشوا في الذِّكرياتِ/ والذِّكرياتُ انقلابٌ عَسكريٌّ ضِد الزَّمانِ والمكانِ/ والشُّعَراءُ يَبْحَثُونَ عَن الإيقاعِ بَيْنَ الجثامين / فيا أيُّها الغريبُ / إنَّ الذينَ حَمَلُوا نَعْشَكَ ذَهَبُوا ولَم يَعُودوا / وأنا الطِّفْلُ الضائعُ بَيْنَ شَواهدِ القُبورِ البلاستيكِيَّةِ / مَا فَائدةُ أن أكُونَ زَهْرَةً بَيْنَ أضرحةِ الحَمَامِ الزَّاجِلِ ؟ / مَا فَائدةُ أن يَنْبُتَ النَّعناعُ في قَلْبي بَعْدَ مَوْتِ قَلْبي ؟ /

     أبْحَثُ في حُطامِ قَلْبي عَن مِنديلِ أُمِّي / أنا مُؤَرِّخُ الأنقاضِ في مَملكةِ الزَّبَدِ / أنا المُهَرِّجُ الذي يَنتظِرُ الرَّاتبَ الشَّهْرِيَّ / لَكِنَّ السِّيركَ مُغْلَقٌ أمامَ جُثمانِ أبي / وَلَمْ أجِدْ مِرْآةً في بَيْتِنا كَي أبكيَ أمَامَهَا / وَلَمْ أجِدْ امرأةً كَي أبكيَ عَلى صَدْرِها / حَياتي انتظارٌ في مَحطةِ القِطَاراتِ / وَجْهُ امرأةٍ يَتَكَسَّرُ وَرَاءَ زُجَاجِ القِطَارِ / الذي تُحَطِّمُهُ أمطارُ الخريفِ .