22‏/11‏/2023

سيناميس

 

سيناميس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     أيَّتُها الشَّركسيةُ السَّاكنةُ في عُيوني / أنا مَيْتٌ / وأنتظرُكِ كَي تُحْيِيني / لَوْ تَعْرِفِينَ كَم أتعذَّبُ في ليالي الشِّتاءِ / أركضُ في طُرُقَاتِ الرَّحيلِ / وَحيدًا كالبَحْرِ المذبوحِ / خَائِفًا كَرَصَاصَةِ القَنَّاصِ / تائهًا كالقِطَطِ الضَّالَّةِ / مَنْبُوذًا كَنَافِذَةِ السِّجْنِ / وأبكي بين أوراقِ الخريفِ وقَطَرَاتِ المطرِ /  ليالي الصَّيْفِ تُنَقِّبُ عَن الذِّكرياتِ في ثُقُوبِ جِلْدِي / بَعْدَكِ تَسَاقَطَت الذِّكرياتُ في كُرَيَاتِ دَمِي / فَكَيْفَ تَصْعَدُ أجنحةُ الفَرَاشَاتِ مِن أظافري ؟ / سَقَطَتْ شُمُوسُ الذِّكرى في دَمِي / وَلَيْسَ لي تاريخٌ سِوَى البُكَاءِ / تَحْتَ أشجارِ الصَّنوبرِ في المقابرِ القديمةِ / فَكُونِي زَوْجَتِي/ لأنَّ المِقْصَلَةَ عَشِيقتي /

     أنا الرُّبَّانُ الغريقُ في بَحْرِ الدُّموعِ/ وَلَمَعَانُ عُيُونِ الشَّركسياتِ هُوَ طَوْقُ النَّجَاةِ / صَوْتُ اللبُؤةِ مَبْحُوحٌ كَصَوْتِ النَّاي / وأنا الرَّاعي المقتولُ / أرْعَى قَطِيعَ الدُّموعِ في مَملكةِ الجثامين / وأرْعَى الأغنامَ في حِصَارِ ستالينغراد / وأُهَاجِرُ إلى شَمْسِ القُلوبِ التي لا تَغِيبُ / صَارَ الصَّيادُ فَريسةً في الغاباتِ الشَّمْعِيَّةِ / وَضَوْءُ القَمَرِ يَغسِلُ جَدَائِلَ النِّسَاءِ بِعَرَقِ الفَرَاشَاتِ ودَمِ البُحَيراتِ /

     أيَّتُها الشَّركسيةُ التي تَسِيرُ في غَاباتِ القُوقازِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / فَلْيَكُنْ جُثماني حَارِسًا شَخْصِيًّا لأجفانِكِ/ سَوْفَ تَرْتَدي البُحَيرةُ المُتَجَمِّدَةُ قَمِيصًا / أزْرَارُهُ مِن جَماجمِ العُشَّاقِ / رَاياتُ القَبَائِلِ مُنَكَّسَةٌ / وقَمِيصُ عُثمانَ ضَاعَ بَيْنَ شُيوخِ القَبائلِ ومُلوكِ الطوائفِ / سَوْفَ نُتاجرُ بِدَمِ الأنهارِ/ كَمَا تَاجَرَ الفَجْرُ الكاذبُ بِدَمِ عُثمان/ فلا تَقُصِّي جَدَائِلَكِ عَلى ضِفَّةِ دَمِي/ انتظِري مَوْتي / كَي تَكُونَ كُرَيَاتُ دَمِي كُحْلًا لِعَيْنَيْكِ/فَرَاشَةٌ نَسِيَتْ جُثْمَانَهَا في صَوْتِ البيانو/ ورَحَلَتْ إلى بُكائي/

     لا تَقْتُلْني يا ضَوْءَ القَمَرِ في الشِّتاءِ البَعيدِ / أزُورُ ضَرِيحَ أُمِّي تَحْتَ شَجَرَةِ التُّوت / وتَتساقطُ شَظَايَا قَلْبي في كُوبِ الشَّايِ الباردِ / والزَّوابعُ لا تَعْرِفُ هَل تَعِيشُ الذِّكرياتُ أَمْ تَمُوت / ماذا قَالَ شَجَرُ المقابرِ لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ ؟ / تَعَالَوْا أيُّها القَتْلى نَكْتَشِفْ أسرارَ أعشابِ المقابرِ في الخريفِ المُضِيء/ مَاتَ حَفَّارُ القُبورِ/ لَكِنَّ أرْمَلَتَهُ تَقِفُ في طَابُورِ السَّبايا/ لاستلامِ رَاتِبِهِ التَّقَاعُدِيِّ / والأيتامُ يُنَظِّفُونَ شَوَاهِدَ القُبورِ مِنَ الغُبارِ والذِّكرياتِ / ويَجْمَعُونَ رُفَاتَ الموتى في الحقائبِ المدرسيةِ /

     الشَّركَسِيَّاتُ شَامِخَاتٌ كَجِبَالِ القُوقَازِ / وَطَاهِرَاتٌ كَالمِلْحِ في دُمُوعِ السُّنونو / وكُلَّمَا سَكَنَ الثَّلْجُ الأحْمَرُ بَيْنَ شَهِيقِي وَزَفِيرِي / شَعَرْتُ بِعُزْلَةِ الزَّنَابِقِ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / وكُلَّمَا انتَشَرَ ضَبَابُ الفَجْرِ في عِظَامي شَعَرْتُ أنَّ نِهَايَتِي اقْتَرَبَتْ / والنَّهْرُ الشَّمْعِيُّ اختارَ حَيَاتَهُ بَيْنَ الوَرْدِ الأصْفَرِ وَالمِشْنَقَةِ الوَرْدِيَّةِ / وَيَركُضُ الأيْتَامُ وَرَاءَ الطَّائِرَاتِ الوَرَقِيَّةِ / التي مَزَّقَتْهَا طُيورُ المُسْتَحِيلِ الأزْرَقِ .