23‏/11‏/2023

حياتي على فراش الموت

 

حياتي على فراش الموت

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     مَن الذي ابْتَلَعَ الطُّعْمَ / الصَّيادُ أَم السَّمكةُ ؟ / دَمُ الحَيْضِ على زُجاجِ القِطاراتِ / وأشلاءُ اليَمامِ المذبوحِ تتناثرُ على سُطوحِ القِطاراتِ / يَصْعَدُ النَّعناعُ مِن بَلاطِ الزَّنازين / أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ / تَلْمَعُ جَدَائِلُكِ تَحْتَ وَميضِ البَرْقِ البَعيدِ / والأطفالُ يَرْكُضُونَ إلى جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم وَقُبورِ آبَائِهِم في الخريفِ الباردِ / أظافرُ القَتلى النُّحَاسِيَّةُ في غَابةٍ غَامضةٍ مِن أجنحةِ الفَراشاتِ/ جُثَّتانِ وَعَشَاءٌ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ/مَن المَيْتُ فِينا وَمَن الحَيُّ ؟/ ذَهَبَ الأطفالُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ألعابُهم على سُورِ البَيتِ المهجورِ/أنا النَّسْرُ المنبوذُ في مَدينةِ الكُوليرا/والنُّسورُ تَحُومُ حَوْلَ جُثتي/

     أيُّها الوَطَنُ الضَّائعُ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وَحَبْلِ المِشنقةِ / هَل مُسْتَقْبَلُ النِّساءِ المُغْتَصَبَاتِ سَيَأتي مِن مَلاقِطِ الغَسِيلِ أوْ مَلاقِطِ الحَوَاجِبِ ؟ / الدَّمُ يَكْسِرُ نَبَضَاتِ قَلْبي/ والمطرُ يَغْسِلُ نَوَافِذَ السِّجْنِ الحديديةَ مِنَ الصَّدأ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبيضُ عَلى سَقْفِ سِجْني / والرَّسائلُ ضَاعَتْ بَيْنَ الحواجزِ العسكريةِ والبَحْرِ المُحَاصَرِ بالذِّكرياتِ البلاستيكيةِ والنُّعوشِ النُّحَاسِيَّةِ /

     أيُّها المنبوذُ في الضَّبابِ الأزرقِ/ أنتَ وَحْدَكَ الخارجُ عَلى قَانونِ المطرِ/الأكفانُ البَيضاءُ تُغطِّي الأثاثَ المُسْتَعْمَلَ في بَيْتِنا المهجورِ/ والتُّفاحُ يَنمو في رَائحةِ الكاوتشوكِ المُحترِقِ/وأجنحةُ الذُّبابِ تُغطِّي جُثَثَ النِّساءِ المُغْتَصَبَاتِ/أجلسُ على رَمْلِ الشاطئِ/لكنَّ دَمي يَركضُ إلى حَنجرةِ البَحْرِ /

     صَاعِدًا إلى ظِلالِ القَتْلى / أنا العاري تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ/ وَلَم ألْبَسْ قَميصَ عُثمان / جَماجمُ النِّساءِ المُغْتَصَبَاتِ هِيَ مَصابيحُ مُضيئةٌ / عَلى حَبْلِ الغسيلِ في الخريفِ الباردِ / ضَفائرُ اليَتيماتِ تَرتعشُ عَلى زُجاجِ النَّوافذِ المغسولِ بِصَفيرِ القِطاراتِ البَعيدِ/ حَمَلْتُ جُثتي على ظَهْري / وَمَشَيْتُ إلى ضَريحِ أبي تَحْتَ المطرِ النُّحَاسِيِّ/ ولَم تَكُن أشلاءُ البَحْرِ سِوى شُوكولاتةٍ بِطَعْمِ دِماءِ الضَّحايا /

     أيُّها الوَطَنُ التَّائِهُ بَيْنَ المَجَازِرِ القَديمةِ والمَجَازِرِ الجديدةِ / ماذا استفادَ الأيتامُ مِنَ التاريخِ ؟ / ماذا استفادت اليَتيماتُ مِنَ الجُغرافيا ؟ / حَبَّاتُ الكَرَزِ مَلْفُوفةٌ بِثِيابِ الحِدَادِ / وجَدائلُ البَناتِ مَعروضةٌ عَلى حِبالِ الغسيلِ / النِّساءُ مُعَلَّقَاتٌ مِن أثدائِهِنَّ على بَابِ المدينةِ / والفُقَراءُ يَكْتُبُونَ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ لِبَناتِ آوَى / ذَهَبَ الأطفالُ إلى الموْتِ / وسَقَطَ دَمْعُهم السَّاخنُ في فُوَّهاتِ المَدَافِعِ / وَبَقِيَتْ ألعابُهُم البلاستيكيةُ عَلى سِكَكِ الحديدِ المهجورةِ/ لا أرى قِطاراتٍ في هَذِهِ المدينةِ الحزينةِ / لَكِنِّي أسْمَعُ صَفيرَ القِطاراتِ يَخْرُجُ مِن ثُقوبِ جِلْدِي / الجماجمُ على حَبْلِ الغسيلِ / والأيتامُ يَبْحَثُونَ عَن مَلاقِطِ الغسيلِ / بَيْنَ الجُثَثِ الخضراءِ والبَحْرِ الدَّمَوِيِّ .