10‏/12‏/2023

قبعة على رأس مقطوع

 

قبعة على رأس مقطوع

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     يَا مُدُنَ السُّلِّ المُعَلَّبَةَ كالسَّرْدين / أيَّتُها الجُثَثُ المجهولةُ التي تتكاثرُ مِثْلَ أكواخِ الصَّفيحِ في القُرى المَنبوذةِ / إنَّ السَّمكةَ ابْتَلَعَت الطُّعْمَ / وَلَن يُنقِذَها البَحْرُ ولا ضَوْءُ القَمَرِ /

     أكفانُ الجنودِ مَغسولةٌ بِذِكْرياتِ الأراملِ / بَناتُ أفكاري قَتيلاتٌ على أسوار القُصُورِ / والرُّومانسيةُ كِذبَةُ نَيْسَانَ في الشِّتاءِ الدَّامي/ دَمِي في حُفَرِ المجاري / لَكِنَّ جُثماني في حَاويةِ القُمامةِ / كَأنَّني لَمْ أَجِئْ إلى هَذِهِ الأرضِ / ولا أعْرِفُ هَل عِشْتُ حياتي أَمْ عِشْتُ مَوْتي / 

     اترُكِي بَصْمَتَكِ عَلى شَاهِدِ قَبْري/ كُونِي حَبَّةَ الكَرَزِ المَنْسِيَّةَ بَيْنَ الأضرحةِ/ لَن تَكُونَ جُثتي هي الوَرْدَةَ تَحْتَ أشجارِ المقبرةِ / فابْحَثُوا عَن شَارِعٍ بَيْنَ أشجارِ المقابرِ كَي تُطْلِقُوا عَلَيْهِ اسْمِي / أنا القائدُ المهزومُ في أرشيفِ القَرَابين / أُقَاتِلُ الصَّوْتَ / وأُعْلِنُ انتصاري على الصَّدى / أنا المحكومُ بالحَنينِ والذِّكرياتِ / نَوْرَسٌ يَنتظِرُ المَوْتَ / وَكَانَ الانتظارُ هُوَ المَوْتَ /

     دَمُ العُشَّاقِ يَطْفُو عَلى سَطْحِ الشَّايِ الأخضرِ/ وَدَمِي لَيْسَ أزرقَ/تَطْفُو الجُثَثُ عَلى سَطْحِ الماءِ أوْ سَطْحِ الدَّمْعِ / وأظافرُ السَّبايا مَغرُوسةٌ في جَسَدِ التُّفاحِ / فيا أيَّتُها الأغاني التائهةُ بَيْنَ زُعَماءِ الطوائفِ وَشُيُوخِ القَبائلِ/لماذا تُظَلِّلُ الرَّاياتُ المُنَكَّسَةُ أكفانَ النِّساءِ تَحْتَ الأمطارِ النُّحَاسِيَّةِ؟/

     في بَرَامِيلِ النِّفْطِ يَفُورُ دَمُ الحَيْضِ للجَوَاري/ يَنعكِسُ ضَوْءُ القَمَرِ عَلى فَرْوِ الثعالبِ / فيا أيَّتها السَّيدةُ الباكيةُ تَحْتَ الجِسْرِ البَعيدِ/ خُذِي جِلْدَ الرِّيحِ حَقيبةً للتَّسَوُّقِ/ يا أيَّتُها الذُّبابةُ المقتولةُ عَلى زُجاجِ القِطاراتِ / إنَّ بِلادي مَكسورةٌ كَرَاهِبَةٍ مَشْلُولةٍ في دَيْرٍ بَعيدٍ / قُرْبَ رِئَةِ الشِّتاءِ المَثقُوبةِ /

     الأطفالُ يُخَبِّئُونَ قِطَعَ الشُّوكولاتةِ في بَراميلِ البَارودِ/ والأيتامُ يُخَبِّئُونَ البُوظةَ في ثَلاجةِ المَوْتَى / والفُقَرَاءُ يُخَزِّنُونَ الرَّصاصَ الحَيَّ بَيْنَ ألعابِ الأطفالِ المذبوحين / ماذا استفادَ حَفَّارُ القُبورِ مِن رَائحةِ القَتْلَى تَحْتَ ظِلالِ الأشجارِ ؟ / شُقوقُ جِلْدي مَفتوحةٌ أمامَ الجَرَادِ / مُغْلَقَةٌ أمامَ الأغاني الوَطنيةِ / وقَلْبي على سُورِ المقبرةِ / وجُثمانُ الذِّئبِ في صُندوقِ البَريدِ / وأنا الذِّئْبُ السَّاكِنُ في شَراييني الفِضِّيةِ / وأشلائي هِيَ لَيْلَى / فَلا تَلُم الذِّئبَ إذا كانَ الرَّاعي عَدُوَّ الغَنَمِ / أنا الذِّئبُ والرَّاعي والغَنَمُ / أمْشِي إلى قَبْرِ أبي في لَيالي الخريفِ / أنا الحَدُّ الفَاصِلُ بَيْنَ شَمْسِ قُرْطُبَةَ وضَفائرِ الغَجَرِيَّاتِ / أنا شَهادةُ المِيلادِ الضَّائعةُ في مَحاكمِ التَّفتيشِ / فَادْفِن الحُبَّ في قَلْبِكَ / كَي تَنْبُتَ السَّنابلُ حَوْلَ شَاهِدِ قَبْرِكَ / سَتَطْلُعُ الذِّكرياتُ مِن القُبورِ الكِلْسِيَّةِ ذَاتَ مَسَاء / أنا الحِكايةُ الأُولَى بَيْنَ طُيورِ البَحْرِ وأحلامِ الطفولةِ المُستحيلةِ / وأنا آخِرُ الرُّعَاةِ في بَراري الكُوليرا .