09‏/12‏/2023

الابن يزور قبر أمه عند ضفة النهر

 

الابن يزور قبر أمه عند ضفة النهر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     افْرَحْ يَا ضَوْءَ القَمَرِ فَوْقَ مَحاكمِ التَّفتيشِ/ إنَّ الجيوشَ البَدَوِيَّةَ سَتُحَرِّرُ فِلِسْطِين / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ جَدائِلُها في صُحونِ المطبخِ / وأخشابُ المطبخِ صَارَتْ تابوتًا أنيقًا للقَتيلةِ / وأشجارُ الكَرَزِ تَنْمُو في الهياكلِ العَظْمِيَّةِ تَحْتَ صَوْتِ الرَّعْدِ /

     سَامِحْنِي يا بَريقَ السَّرابِ / أنا الرَّمْلُ الأخضرُ / لَكِنَّ دَمِي لَيْسَ أخضرَ / أكَلَ الإعْصَارُ الأخْضَرَ وَاليَابِسَ / اغْفِرْ للصَّحراءِ أيُّها السَّرابُ/ خَانَتْنِي الرِّمالُ المُتحرِّكةُ/ يَرِنُّ الدَّمْعُ كأغصانِ الخريفِ / ومَا زِلْتُ أسْمَعُ رَنينَ المِلْحِ في دُموعِ أُمِّي في لَيالي الشِّتاءِ الدَّمَوِيِّ /

     رَاياتُ القَبائلِ تُرَفْرِفُ على بَراميلِ النِّفْطِ / وأعلامُ القَراصنةِ تَهْتَزُّ عَلى حُطَامِ السُّفُنِ/ كَنُهُودِ الرَّاهباتِ المصلوباتِ عَلى أبراجِ الكنائسِ / دَخَلَ العُشَّاقُ في مَناديلِ الوَداعِ المَنْسِيَّةِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ/ والسَّفينةُ تَذهبُ إلى الغَرَقِ / وقَطيعُ الغَنَمِ يَركضُ إلى الهاويةِ الأُرْجُوانِيَّةِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ /

     وَدِّعُوا الرُّبَّانَ أيُّها البَحَّارَةُ / وَسَامِحُوهُ / ولا تَحْقِدُوا عَلَيْهِ / إنَّ السَّفينةَ تَغْرَقُ / كَما تَغْرَقُ قُلوبُ البَناتِ في لَمَعَانِ الغُروبِ / وأسْمَاكُ القِرْشِ سَتَأكُلُ الجُثَثَ / والشِّعَابُ المَرْجَانِيَّةُ تَبْتَلِعُ أعلامَ القَبائلِ وأُغنياتِ الرَّحيلِ وذِكرياتِ الأراملِ / ولَمْ يَبْقَ مِنَ الجُنودِ القَتْلى غَيْرُ بَساطِيرِهِم /

     عِندَما يَأتي المساءُ / يَهْجُمُ الحُزْنُ عَلَيَّ كَذِئْبٍ جَائعٍ / أرى صُوَرَ الأمواتِ عَلى زُجاجِ نافذتي / بِلا ذِكْرياتٍ ولا بَرَاويز / وَتَكْسِرُ أوراقُ الخريفِ مَزْهَرِيَّاتِ الصَّدى ومَرَايا الصَّدَأ / دَمُ القِطَطِ الضَّالةِ يَكْسِرُ زُجاجَ السَّياراتِ العَسكرِيَّةِ/ والمطرُ البلاستيكِيُّ يَكْسِرُ مَساميرَ نَعْشِي / سَتَأكُلُ العَناكبُ الصُّوَرَ التَّذكارِيَّةَ / وَيَأكُلُ البَقُّ خَشَبَ البَرَاوِيزِ / وَنَعُودُ أيتامًا بِلا ذِكْرَياتٍ ولا أُمَّهَاتٍ /

     سَامِحْنَ الجُنودَ القَتْلى أيَّتُها الرَّاهباتُ السَّائراتُ إلى حِصَارِ ستالينغراد / كَأنَّ ضَوْءَ القَمَرِ وَضَعَ السَّبايا في الشَّاحناتِ / وَلَمْ أعُدْ أرى الشَّمْسَ ولا القَمَرَ / مَاتَ رَجُلُ الثلجِ تَحْتَ شَمْسِ الخريفِ / والسَّنابلُ تَمشي في طَريقِ البَحْرِ / والنَّوَارِسُ تَطيرُ باتِّجاهِ أطيافِ نَصْلِ المِقْصَلةِ / أُعْطِي قَميصي لِدُودةِ القَزِّ / وأمُوتُ تَحْتَ جُسورِ سَرَاييفو عَارِيًا / ولَمْ أَبِعْ قَميصَ عُثمانَ في سُوقِ القَبائلِ /

     أنا الغريبُ في شَراييني / المَنْفِيُّ في رِئتي / وجُثماني مَطَارٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الرِّئَتَيْن / أنا النَّخلةُ بَيْنَ الأُكسجينِ والهيدروجينِ في قَلْبِ الماءِ/ مَاتَ قَلْبي في حِصَارِ الذِّكرياتِ/ وَلَمْ يَعُدْ للأصابعِ مَعْنى / فَمَا فَائِدةُ خَاتَمِ الزَّواجِ ؟ / العاشقُ جُثَّةٌ هَامِدةٌ في أدغالِ الذاكرةِ / وَحَبَّاتُ المطَرِ أرشيفٌ لِوُجُوهِ النِّساءِ المُغْتَصَبَاتِ / وألعابُ الأطفالِ تَحْتَ جَنازيرِ الدَّبَّابَاتِ .