13‏/12‏/2023

البحيرة أرشيف سري لأرقام جثث الغرقى

 

البحيرة أرشيف سري لأرقام جثث الغرقى

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     عَانِقِينِي أيَّتُهَا البُحَيرةُ في شَمالِ الصَّليلِ/ واعْشَقِي غُربةَ شَراييني / إنَّ ضَوْءَ القَمَرِ يَطْعَنُنِي في ظَهْرِي / أنامُ في ذَاكرةِ الخَنَاجِرِ / وَدُمُوعي تَحْفِرُ وِسَادتي / وَمَساميرُ نَعْشي هِيَ كِلابٌ جَائِعةٌ تَبْحَثُ عَن عِظامي / والعَناكبُ تُضِيءُ أوْعيتي الدَّمويةَ / والطحالبُ تُلَمِّعُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ / وجُلُودُ الفِئرانِ تُزَيِّنُ جُدرانَ غُرفتي / والنَّهْرُ الباكي هُوَ حَجَرُ الزَّاويةِ في قَلْبي المهدومِ /

     أَكَلَ البَقُّ بَرَاوِيزَ الذِّكرياتِ عَلى حِيَطَانِ بَيْتي / والجرادُ يَزْرَعُ البَنَادِقَ الآلِيَّةَ في أمعائي / والمرافئُ العَذراءُ تُخَبِّئُ الأوسمةَ العَسكريةَ في قَارُورةِ السُّمِّ / ذَهَبَت النِّساءُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ضَفَائِرُهُنَّ عَلى أسوارِ البُيوتِ / تاريخٌ أعْمَى يُولَدُ مِن سَكاكينِ المطبخِ / جُغرافيا تائهةٌ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحواجِبِ / مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ الرَّصَاصِ المَطَّاطِيِّ وصَفَّارَاتِ الإنذارِ / ونَسِيَ الأيتامُ حَقائبَ المدرسةِ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ / ونَسِيَت الزَّوابعُ جُثَثَ الأطفالِ في ثَلاجةِ المطبخِ /

     ثُقُوبُ جِلْدِي هِيَ أبراجُ مُرَاقَبَةٍ بَيْن الرَّصَاصِ الحَيِّ والنَّهْرِ المَيْتِ / وأنا الغريبُ في شَراييني/ المَنْسِيُّ في جَدْوَلِ الضَّرْبِ / الذي يَضُمُّ أرقامَ الجُثَثِ المجهولةِ وأرقامَ الزَّنازين / أخجلُ أن أنظُرَ في المرايا / فاكْسِري المرايا في زِنزانتي الانفرادِيَّةِ أيَّتُها الزَّوابعُ الضَّوئيةُ/واذْكُرِيني يا أزهارَ الشَّفَقِ / أنا الطِّفْلُ المنبوذُ / أركضُ إلى البَحْرِ في المساءِ الجارِحِ / وأنتظِرُ المَوْتَ بَيْنَ جَدَائِلِ أُمِّي/ لا تاريخٌ لأعصابي سِوى أعلامِ القَبائلِ المُنَكَّسَةِ / ولا جُغرافيا لِشَراييني سِوى أظافرِ العاصفةِ في صُحونِ المطبخِ / كُن مِندِيلَ الوَدَاعِ/ حِينَ يُصْبِحُ القَلْبُ حَبْلَ غَسِيلٍ/كُن عَامِلَ نَظَافَةٍ/ حِينَ تُصْبِحُ الدَّوْلَةُ مَزْبَلَةً/ كُن حَفَّارَ قُبورٍ/حِينَ تُصْبِحُ حَبَّاتُ الكَرَزِ رَصَاصَاتٍ في البَنادقِ الآلِيَّةِ/ نَسِيَ الأيتامُ دَفاترَ الرِّياضياتِ على سُور المقبرةِ / وذَهبوا كَي يَضَعُوا الأرقامَ عَلى جُثَثِ آبائِهِم / ويَمُوتوا في الشَّفَقِ البَعيدِ / تَسْبَحُ طُيُورُ البَحْرِ في دَمِ النَّخيلِ / والخُيُولُ المشلولةُ تَبكي في السَّحَرِ / والذُّبَابُ يَركضُ في الغُروبِ / نَسِيَتْ عَازِفَةُ البيانو أصَابِعَهَا في ثَلاجةِ المَوْتَى / وبَقِيَ البيانو تَحْتَ المطَرِ وَحيدًا / وَتَوَقَّفَ العَزْفُ إلى الأبَدِ / لا حُلْمَ يَنْبَعِثُ مِن مَسَامِيرِ التَّوَابِيتِ سِوَى صَوْتِ المَطَرِ / وكانَ المَطَرُ يَكْسِرُ أظافرَ الفَتَيَاتِ في حُقولِ القَمْحِ / والعَصَافِيرُ تَبْحَثُ عَن رُفَاتي / والجُثَثُ ذَاتُ الأسنانِ الذهبيةِ أكَلَتْهَا فِئرانُ السَّفينةِ الغارقةِ / والقَنَّاصُ الأعمى يُطْلِقُ النَّارَ عَلى قِطَطِ الشَّوارعِ /

     سَتَمُوتِينَ أيَّتُها الفَراشةُ عَاريةً / أكَلَ الجرادُ أكْفَانَكِ / وَكَسَرَ المطرُ مَساميرَ نَعْشِكِ/ وَحَفَّارُ القُبورِ ذَهَبَ لاستلامِ الرَّاتِبِ الشَّهْرِيِّ / وَنَسِيَ أن يَحْفِرَ قَبْرَكِ .