02‏/12‏/2023

قبر مكون من أحجار الرخام

 

قبر مكون من أحجار الرخام

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     في سَاعَةِ السَّحَرِ / تُضِيءُ القُبورُ الرُّخاميةُ / وأشِعَّةُ القَمرِ تَسقطُ فَوْقَ أكفانِ البَحْرِ / وَعِنْدَ غُروبِ الشَّمْسِ في دِمَاءِ الرِّيحِ / تَلْمَعُ خُدودُ بَناتِ حَفَّارِ القُبورِ / اللواتي لا يَعْرِفْنَ الفَرْقَ بَيْنَ قُبورِ الرُّخامِ وقُبورِ السِّيراميك/ ومُلُوكُ الغُبارِ المُضِيءِ يَعِيشُونَ في مَمَالِكِ المَوْتَى بِلا عُرُوشٍ ولا نُعُوشٍ /

     لا تَكْرَهِيني يا أشِعَّةَ القَمَرِ/ حِينَ يَجُرُّ النَّمْلُ نَعْشَ أبي تَحْتَ المطرِ / ضَاعَ البَدْوُ الرُّحَّلُ بَيْنَ قَميصِ عُثمانَ وَقَميصِ النَّوْمِ / والأرقُ جُغرافيا جَديدةٌ لأحزانِ البَحْرِ قُرْبَ الجُثَثِ الغامضةِ المُضيئةِ / الحُزْنُ يَحْصُدُ جَماجمَ البَشَرِ / كَي يَضَعَ الطاغيةُ تَاجًا عَلى رَأسِهِ المقطوعِ / والعاصفةُ تَطْحَنُ عِظَامَ الأطفالِ/ كَي يَضَعَ الجِنرالُ الأوسمةَ العَسكرِيَّةَ على رَاياتِ القَبائلِ المُنَكَّسَةِ/ نَشِيدُ المَوْتَى طَريقي/ ولا نَشِيدٌ لِعِظَامي إلا البَحْر / ولا أُغْنِيَةٌ للضَّحايا إلا الوَحْل / نَسِيَ العُشَّاقُ الرَّسائلَ الغرامِيَّةَ على الحَاجِزِ العَسكريِّ/ الذي يَفْصِلُ بَيْنَ الدَّمِ والمَوْجِ/ وَحُزْني انتصرَ عَلى حُزْنِ البَحْرِ عِندَ الغُروبِ/

     نَذهبُ إلى المعاركِ ولا نَعُودُ / لَنَا الأعلامُ المُنَكَّسَةُ / وللكِلابِ البُوليسِيَّةِ الأوسمةُ العَسكريةُ / الحُزْنُ نَزيفُ المَعْنَى وَطَهَارَةُ الذِّكرياتِ / وأنا المُلَوَّثُ بِعِشْقِ بَناتِ آوَى / لَيْسَ في قَلْبي ذِئْبٌ مُفْتَرِسٌ / وَلَيْسَ في دَمْعِي كَبْسُولةُ السِّيَانَيْدِ/ لَكِنَّ الزَّوابعَ تأكلُ ضَوْءَ القَمَرِ/ والنَّهْرُ ماتَ مَسْمُومًا /

     أطِيرُ في أدغالِ الأرَقِ صَقْرًا بأجنحةٍ حَجَرِيَّةٍ / وَلَمْ أشْرَب القَهْوَةَ مَعَ صَقْرِ قُرَيْشٍ في مَحَاكِمِ التَّفْتِيشِ/ أخافُ أن أنامَ لِئَلا يَغْتَالَني المَطَرُ في المَنَامِ / أُمَارِسُ هِوَايتي في جَلْيِ الصُّحونِ بَعْدَ مُنْتَصَفِ الليلِ/ وَلا شَيْءَ في الصُّحونِ سِوَى دَمِي وذِكْرَياتي والصَّابونِ/ وَأُمِّي تَمُوتُ أمامَ عُيونِ أبي /

     قَبَائِلُ أكَلَتْ قَبَائِلَ / والأرملةُ الكريستالِيَّةُ في الشِّتاءِ الرَّصَاصِيِّ تَخِيطُ الأعلامَ المُنَكَّسَةَ وَقُمْصَانَ النَّوْمِ وأكفانَ الجُنودِ / طُبُولُ الحَرْبِ عَلى خَشَبَةِ المَسْرَحِ / لَكِنَّ المُغَنِّي مَاتَ في كَلِمَاتِ الأُغْنِيَةِ/ والأفعى تُغَيِّرُ جِلْدَها / ولا تُغَيِّرُ سُمَّهَا/ والحقائبُ مِن فَرْوِ الثعالبِ لا تَجْعَلُ الذِّئبةَ لَبُؤَةً / وأصواتُ البَحَّارةِ الغَرْقَى تَرِنُّ في جِلْدِي / والدَّبابيسُ تَصْعَدُ مِن وِسَادتي كالسَّنابلِ / فَكَيْفَ أنامُ ؟ /

     لا تَكْرَهِيني أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ / التي تَجْلِسُ عَلى كُرْسِيٍّ هَزَّازٍ أمامَ مَوْقَدَةِ الخريفِ / جِئْتُ لأكْسِرَ الصَّليبَ / وَأُحَرِّرَ المساميرَ الصَّدِئَةَ مِنَ النُّعُوشِ والصُّلْبَانِ / سَتَمْشِي الذِّئابُ الأُرْجُوَانِيَّةُ في طَريقِ الثُّلُوجِ نَحْوَ مِدْخَنَةِ الدَّيْرِ البَعيدِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ أضاعَ الرَّسائلَ بَيْنَ حِصَارِ بَيْرُوتَ وَحِصَارِ ستالينغراد / فَكَيْفَ أكتبُ رَسائلَ الحُبِّ للنِّساءِ المَصْلُوباتِ عَلى أعمدةِ الكَهْرَباءِ والقَنَّاصَةُ يَنتشِرُونَ في أبراجِ الحَمَامِ ؟ .