31‏/12‏/2023

المسدسات في المزهريات

 

المسدسات في المزهريات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     إذا كَانَ لَمَعَانُ عُيُونِ الشَّرْكَسِيَّاتِ مَنْفَايَ وَغُرْبَتِي / فَإنَّ لُغتِي هِيَ وَطَني / لَكِنَّ أشلائي بِلا جِنْسِيَّةٍ / وأركضُ إلى آثَارِ نَزِيفِ اليَمَامِ عَلى الثلجِ الأخضرِ/ لا تَاجٌ سِوَى شَجَرِ المقابرِ / وَلا عَرْشٌ سِوَى الرِّمَالِ المُتَحَرِّكَةِ / يَلْمَعُ المطَرُ في طُفُولَةِ البَنَادِقِ / وسَقَطَ دَمُ العُشَّاقِ الأحمرُ في الشَّايِ الأخضرِ / وَحَفَّارُ القُبُورِ يَشْرَبُ شَايًا بالنَّعناعِ تَحْتَ أشجارِ المقبرةِ / وَالفِئْرَانُ تُوَدِّعُ الرُّبَّانَ قَبْلَ غَرَقِ السَّفينةِ في أحزانِ الغُرُوبِ /

     قَلْبِي هُدْنةٌ بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والبُوسنِيَّاتِ / أَرْكُضُ تَحْتَ جُسُورِ سَرَاييفو نَشِيدًا للنُّعوشِ الزُّجَاجِيَّةِ / وأبكي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ/ لَمْ تَجِئْ أُمِّي لِتَمْسَحَ دُمُوعي / وَلَمْ تَجِئْ غَابَاتُ القُوقازِ لِتَزْرَعَ رِئَتي بَيْنَ المرايا والمزهرِيَّاتِ / لَيْتَنِي أتَحَرَّرُ مِن أطْيَافِ الشَّرْكَسِيَّاتِ عِندَ الغُرُوبِ / لَيْتَنِي أتَحَرَّرُ مِن ظِلالِ البُوسنِيَّاتِ عَلى خُدُودِ النَّهْرِ /

     أنا خَائِفٌ يا أُمِّي / أشِعَّةُ القَمَرِ تَخْلُعُ جِلْدِي / وتُحْرِقُ قَاعَ المُسْتَنْقَعِ في ليالي الشِّتاءِ الدَّامي / وسَنَابِلُ الشَّفَقِ تَطْلُعُ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي / وَأجفانُ القَتْلَى عَلى زُجاجِ نافذتي في المساءِ الفِضِّيِّ / فَكَيْفَ أنامُ بَيْنَ المُسَدَّسَاتِ والذِّكْرَيَاتِ ؟ /

     مَاتتْ أزهارُ المقابرِ بَعْدَ جُرْعَةٍ زَائِدَةٍ مِنَ الذِّكرياتِ / والحَيَوَاناتُ المَنَوِيَّةُ في أقفاصِ حَدِيقَةِ الحَيَوَاناتِ / ولا تَزَالُ رَائِحَةُ الجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ في أنفِي / وطَعْمُ بُرتقالِ المَوْتِ في شُقُوقِ جِلْدِي /

     رَمَيْنا جُثَثَ الجُنودِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ / ورَفَعْنا الرَّايةَ البَيضاءَ في مَعركةِ الوَهْمِ / والرِّياحُ تُلْقِي رُفاتي في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / وَمَسَاحِيقُ الغسيلِ سَتُخْفِي رَائِحَةَ الجُثَثِ في الليلِ الطويلِ /

     أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ التي تُحَدِّقُ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ / سَوْفَ يَنكَسِرُ الصَّليبُ بَيْنَ صَدْرِكِ وسَرَطَانِ الثَّدْيِ / والغريبُ يُحَدِّقُ في بَرَاوِيزِ غُرفةِ التَّحقيقِ /

     أنا الطِّفْلُ الوَحيدُ في مَملكةِ السُّلِّ / أخافُ مِن لَمَعَانِ أظافري في لَيْلِ الشِّتاءِ / وأتْبَعُ أثَرَ دِمَائي عَلى ثَلْجِ الطُّرُقَاتِ / وأشلائي تَتساقطُ في أكوابِ الشَّايِ الباردِ / الذي نَسِيَ العُشَّاقُ أن يَشْرَبُوهُ / وذَهَبُوا إلى ضَوْءِ الاحتضارِ في آخِرِ النَّفَقِ / والأمطارُ البَنَفْسَجِيَّةُ تَتساقطُ عَلى النُّعوشِ النُّحَاسِيَّةِ / والفَيَضَانُ يَرْمي في حُفَرِ المَجَاري أسنانَ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ /

     الرِّيحُ تَلْعَبُ الغُولفَ في ثُقُوبِ جِلْدِي / وأنا ألعبُ بِكُرَيَاتِ دَمِي في أزِقَّةِ الوَحْلِ / وَرُعْيَانُ الغَنَمِ يَمْنَحُونَ الجوائزَ للفَلاسِفَةِ / والرَّاقِصَاتُ يَحْكُمْنَ عَلى شَرِيفاتِ قُرَيْشٍ .