30‏/12‏/2023

الجثث لا تزال في الثلاجات

 

الجثث لا تزال في الثلاجات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     إنَّ دُودَ المقابرِ مِثْلُ سَرَطَانِ الثَّدْيِ / كِلاهُمَا يَأكلُ صَدْرَكِ / انكسرَ قَلْبُكِ/ وسَقَطَت القِلادةُ في الوَحْلِ / انكَسَرَتْ جَدَائِلُ النِّسَاءِ بَيْنَ السَّائِلِ المَنَوِيِّ وَسَائِلِ الجَلْيِ / والغُرَبَاءُ يَمْشُونَ إلى المقبرةِ تَحْتَ أمطارِ المساءِ الخريفِيِّ /

     يَمُوتُ الرِّجَالُ في مَعَارِكِ الوَهْمِ/كَمَا تَمُوتُ فِئْرَانُ التَّجَارُبِ تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ/ وَقَعَ سَائِلُ الجَلْيِ عَلى البَلاطِ / والنِّسَاءُ يَغْسِلْنَ صُحُونَ المَطْبَخِ بالسَّائِلِ المَنَوِيِّ / والرِّيحُ تَغسِلُ حِيطَانَ السِّجْنِ بِدَمِ الحَيْضِ /

     انكَسَرَ جَيْشُ السَّرَابِ/ وبَقِيَت الأطرافُ الصِّنَاعِيَّةُ للجُنُودِ تَذكَارًا للحُبِّ الضَّائعِ وأحلامِ الطفولةِ / مَاتت الفَراشةُ / لَكِنَّ الذُّبابَ يَحْتَفِظُ بِمَلابِسِهَا في الخِزانةِ الحدِيدِيَّةِ الصَّدِئَةِ / رَمَى الشَّاطِئُ الحزينُ أخشابَ البيانو في مَوْقَدَةِ المساءِ / وَسَقَطَ كُحْلُ بَنَاتِ آوَى في آبَارِ الدَّمْعِ / وَبَقِيَ قَمِيصُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ وَحِيدًا / وَمَاتت الحِكَايَاتُ عَلى أجنحةِ النَّوَارِسِ / والبَحْرُ كَتَبَ اسْتِقَالَتَهُ عَلى أوراقِ الخريفِ/انتشرَ الصَّمْتُ بَيْنَ نُعُوشِ الجُنودِ والأوسمةِ العَسْكَرِيَّةِ/وانتَهَت اللعبةُ/

     الصَّحْرَاءُ في قَلْبي / والخريفُ في دَمِي / وَصَوْتُ الرَّصَاصِ في جِلْدِي / قُتِلَ المُغنِّي / وتَكَاثَرَتْ بُيُوضُ الحَشَرَاتِ في حَنْجَرَتِهِ / وَبَقِيَ الكَمَانُ تَحْتَ المَطَرِ وَحِيدًا / وَرَائِحَةُ البَحْرِ تُحْرِقُ أخشابَ التَّوابيتِ في لَيْلِ الشِّتاءِ / وطَعْمُ حَبْلِ المِشْنَقَةِ يُحْرِقُ أخشابَ البيانو في صَبَاحِ الإعدامِ /

     جُثماني حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّرْكَسِيَّاتِ والبُوسنِيَّاتِ/ وَضَرِيحي ضَائِعٌ بَيْنَ غَابَاتِ القُوقازِ وجُسُورِ سَرَاييفو/ وَدَمْعِي هُوَ الحَدُّ الفَاصِلُ بَيْنَ طُيُورِ البَحْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ / سَيَعُودُ الطائِرُ إلى البَحْرِ / كَمَا يَعُودُ الطِّفْلُ إلى حِضْنِ أُمِّهِ / سَيَعُودُ الرَّمْلُ إلى الصَّحْرَاءِ / كَمَا يَعُودُ السَّجِينُ إلى صَدْرِ زَوْجَتِهِ/نَسِيَ الأطفالُ الشُّوكولاتةَ في ثَلاجَةِ المَوْتى/ وَذَهَبُوا إلى أدغالِ الفَجْرِ الكَاذِبِ كَي يَدْفِنُوا أُمَّهَاتِهِم/ وَالنَّهْرُ المَشلولُ يَبِيعُ العِلْكَةَ عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ في مُدُنِ الطاعون /

     صُورَةُ أثاثِ المَنَافِي في المرايا المكسورةِ / والشَّظايا جِنْسِيَّةُ الأغرابِ / والوَهْمُ تاريخُ السُّفُنِ الغارقةِ / فيا أيُّها المقتولُ بَيْنَ حَبَّاتِ المطَرِ وَحَبَّاتِ التُّفاحِ / أنتَ المَصْلُوبُ بِلا صَلِيبٍ / فَاكْسِر الصَّليبَ / وَاتْبَعْ ظِلالَكَ نَحْوَ ضَوْءِ الجِنَازَةِ / وَاصْعَدْ مِن شَظَايا قَلْبي مُسَدَّسَاتٍ وَذِكْرَيَاتٍ / وَاهْبِطْ في تَجَاعِيدِ الفَرَاشَةِ بَنَادِقَ وَخَنَادِقَ / وَضَوْءُ القَمَرِ يَنْتَشِلُ الجُثَثَ مِنَ النَّهْرِ في مَوْسِمِ تَزَاوُجِ الذُّبَابِ في الزِّنزانةِ الانفِرَادِيَّةِ .