04‏/12‏/2023

سامحيني يا فراشة القوقاز

 

سامحيني يا فراشة القوقاز

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     بَعْدَ الشَّركسيات / قَلْبي مَات / السَّلامُ عَلى الأُنوثةِ والذِّكريات / قُلُوبُهُنَّ مَوْجُ لامِعٌ في بَحْرِ الظُّلُمَات / بَعْدَ الشَّركسياتِ / كُلُّ شَيْءٍ مَات /

     أيَّتُها الشَّركسيةُ التي تَرْكُضُ في غَاباتِ القُوقازِ كَنَهْرٍ مِن فِضَّةٍ / خُذي بُنْدُقِيَّتِي بَعْدَ مَوْتي تَذكَارًا بَيْنَ الحُبِّ الأوَّلِ والرَّصَاصَةِ الأُولَى / سَأظلُّ حَيًّا في قَلْبِ السَّرابِ / تُضِيءُ أشلائي صَفِيرَ القِطاراتِ / وَلَمْ يَعُدْ هُناكَ شَيْءٌ نَبْكي عَلَيْهِ / كُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ / ذَهَبَ الذُّبَابُ إِلى الضَّوْءِ في آخِرِ النَّفَقِ / والضَّوْءُ هُوَ المَوْتُ / وَبَقِيَتْ وَصَايا المَحكومينَ بالإعدامِ عَلى مَقَاعِدِ مَحطةِ القِطاراتِ / دَمْعُ الكَرَزِ تاريخٌ للأراملِ الشَّابَّاتِ/ وَشَرَايِينُ الغَيْمِ جُغرافيا للأيتامِ/ الذينَ يَبيعونَ أشلاءَ أُمَّهَاتِهِم على إشاراتِ المُرورِ / والبَحْرُ المشلولُ يَبيعُ أمْعَاءَهُ للرِّياحِ كَي يَشتريَ الخُبْزَ لأبنائِهِ /

     جُثتي مَنْسِيَّةٌ عَلى كُرْسِيٍّ هَزَّازٍ مَصْنُوعٍ مِن خَشَبِ البَلُّوطِ في الوَطَنِ الضَّائِعِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُحْرِقُ جُلُودَ العُشَّاقِ وأشجارَ الغاباتِ / يَتساقطُ التُّوتُ البَرِّيُّ عَلى جُثماني المائِيِّ / لَكِنِّي أمشي تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ في غَاباتِ الرَّصَاصِ الحَيِّ حُزْنًا مَيْتًا / وأكتشفُ لَمَعَانَ الحُزْنِ في عُيونِ الشَّركسياتِ / لَيْتَني أعِيشُ في أرْوَاحِ الشَّركَسِيَّاتِ / كَي أظَلَّ حَيًّا إلى الأبَدِ /

     تَتساقطُ دُمُوعُ التُّفاحِ عَلى بَلاطِ الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ/ وَجُلودُ العَبيدِ أكفانٌ لِطُيورِ البَحْرِ / وأبي مَاتَ عَلى الأثاثِ المُسْتَعْمَلِ أمامَ مَوْقَدَةِ الشِّتاءِ الغامضِ/ أيَّتُها الطفولةُ الضائعةُ بَيْنَ نَوافذِ القطاراتِ وأثاثِ بَيْتِنا المهجورِ/ إنَّ الثلجَ الأزرقَ يَغتصِبُ مِدْخَنَةَ الدَّيْرِ / وَدَمُ الحَيْضِ للرَّاهباتِ عَلى القِرْمِيدِ الباكي تَحْتَ الأمطارِ القِرْمِزِيَّةِ / والعاصفةُ تَصنعُ بَابَ غُرفتي مِن شَظايا جُمْجُمتي /

     تَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ قَاتِلَهَا / وَتُصْبِحُ المرايا المكسورةُ مَزْهَرِيَّاتٍ لأحلامِ الطفولةِ الضائعةِ /  وَتَحْتَ شَمْسِ الشِّتاءِ / يُصْبِحُ السَّجَّادُ الأحمرُ مَساميرَ للنُّعوشِ الجديدةِ في مُدُنِ الكُوليرا والانقلاباتِ العَسكرِيَّةِ / وَكُلَّمَا بَحَثْتُ عَن رَسَائِلَ في صُندوقِ البَريدِ وَجَدْتُ جُثَّتي الطازَجَةِ / وَحْدَها جُثَّتي الطازَجَةُ في صُندوقِ البَريدِ / وَسَوْفَ يَأكُلُها الدُّودُ والذِّكرياتُ والأمطارُ /

     أيَّتُها الرَّاهبةُ العَمْياءُ التي تَصُبُّ حَلِيبَهَا في بِرْمِيلِ النِّفْطِ/لَن يُفَرِّقَ الطاعونُ بَيْنَ بِرْمِيلِ النِّفْطِ وزُجاجةِ النَّبيذِ/ مَا فَائدةُ أن أكُونَ وَرْدَةً بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ ؟ / حَياتي رِحْلَةُ بَحْثٍ عَن الأشياءِ التي مَاتَتْ في دَاخِلي / بَحَثْتُ عَن الحُبِّ بَيْنَ أنقاضِ قَلْبي / وَحِينَ وَجَدْتُهُ دَفَنْتُهُ في أظافرِ البَجَعِ / كانَ حُبًّا بلا تاريخٍ ولا جُغرافيا / فلا تَكْرَهِيني يا طُيورَ البَحْرِ .