08‏/12‏/2023

قائد أوركسترا التوابيت

 

قائد أوركسترا التوابيت

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     المايسترو مَشْلُولٌ عَلى كُرْسِيٍّ مُتَحَرِّكٍ / والعَصَا مُلْقَاةٌ عَلى خَشَبَةِ المسرحِ أوْ خَشَبَةِ الإعدامِ / أَكَلَ سَرَطَانُ الثَّدْيِ صَدْرَ الرَّاقصةِ / دَمْعِي رَقصةُ الدِّيدانِ حَوْلَ نَعناعِ المقابرِ / ولا فَرْقَ بَيْنَ التُّفاحِ والبُرتقالِ / كِلاهُمَا بِطَعْمِ الدَّمِ والانقلاباتِ العَسكريةِ / ولا فَرْقَ بَيْنَ الكَرَزِ ونَصْلِ المِقْصَلةِ / كِلاهُما يَلْمَعُ في ليالي الخريفِ / البَعيدِ عَن ثُقوبِ جِلْدي / القَريبِ مِن شَظَايا جُمْجُمتي /

     قَمِيصُ نَوْمٍ مِنَ الزَّرْنيخ / والتَّوابيتُ مَصْفُوفةٌ أمامَ مَرايا الخريفِ كالعُطُورِ النِّسائيةِ / وأخشابُ غُرْفةِ النَّوْمِ تَصِيرُ نُعُوشًا للعَصافيرِ / وأخشابُ مَطْبَخِ الدَّيْرِ تَصِيرُ صُلْبَانًا للرَّاهباتِ المَشْلُولاتِ / والسَّجَّادُ الأحمرُ هُوَ فِرَاشُ المَوْتِ في غَاباتِ الرَّصاصِ الحَيِّ /

     لا تَكْرَهُوا الرُّبَّانُ أيُّها البَحَّارةُ / إنَّ السَّفينةَ تَغْرَقُ / لا تَكْرَهْ أُنوثةَ السَّنابلِ يا رَصيفِ المِيناءِ / إنَّ البَحَّارةَ ماتوا قَبْلَ أن يُوَدِّعُوا زَوْجَاتِهِم/ والبَحْرُ تاريخُ مَن لا تاريخَ لَهُ / والأمواجُ جِنْسِيَّةُ فِئرانُ التَّجَارُبِ / ولا فَرْقَ بَيْنَ فِئرانِ التَّجَارُبِ وفِئرانِ السَّفينةِ / إذا كانَ الرُّبَّانُ بِلا اسْمٍ ولا جِنْسِيَّةٍ /

     الرِّيحُ تَنْحِتُ أسماءَ الغُرباءِ عَلى شَواهدِ القُبورِ/ والزَّوبعةُ تَكتبُ وَصِيَّتَها عَلى عِظَامِ الضَّحايا / فَمَتَى تَخْلَعِينَ ثِيابَ الحِدَادِ أيَّتُها الفَرَاشةُ ؟ / ضَاعَ صَوْتُ الدُّموعِ في صَوْتِ المطَرِ / وكَسَرَ المطرُ النُّحاسِيُّ شَواهِدَ القُبورِ البلاستيكِيَّةَ / والخُيُولُ الخشبيةُ تَركضُ في الشَّفَقِ الدَّامي /

     في مُدُنِ المَلاريا / صَفَّاراتُ الإنذارِ تَغتصِبُ الجُثَثَ المجهولةَ / والسَّياراتُ مُصَفَّحَةٌ ضِد دُموعِ الأراملِ / ذَهَبَت النِّساءِ إلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَبَقِيَ دَمُ الحَيْضِ في آبارِ القُرى المَنْسِيَّةِ / وَبَقِيَتْ مَلاقِطُ الغَسِيلِ عَلى حَبْلِ الغَسِيلِ /

     القَنَّاصُ الأعمى يُطْلِقُ الرَّصاصَ عَلى قِطَطِ الشَّوارعِ / والأكفانُ مَنثورةٌ في الشَّوارعِ تَحْتَ المَطَرِ الأخضرِ / والمَطَرُ يَكْسِرُ شَوَاهِدَ القُبورِ كَحِجَارَةِ الدُّومينو / والمَوْجُ يَحْفِرُ وَجْهَ أُمِّهِ على أشجارِ المقابرِ / قُلْتُ للفَرَاشاتِ العَمْياءِ / لا طَرِيقٌ لَنا سِوى الرِّيحِ العَجُوزِ / ولا أرشيفٌ لَنَا سِوى عِظَامِ الأطفالِ / وماتَ كَلامي في طُرُقَاتِ المَرْفَأ اللازَوَرْدِيِّ /

     رَائحةُ الدُّموعِ الزَّرقاءِ في عُيونِ الرَّاهبةِ العَمْياءِ / ويَمْشي البَحْرُ تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / والنِّساءُ يَنْثُرْنَ أكاليلَ الغارِ / لَكِنَّ الجُنودَ لَمْ يَعُودُوا / انتظِرِيني تَحْتَ قَمَرِ الخريفِ/ حِينَ تُصْبِحُ حَبَّاتُ المَطَرِ بَرَاوِيزَ لِصُوَرِ الضَّحايا / أنا الشَّبَحُ الذي لا يَنامُ في لَيالي الشِّتاءِ/ لا أرشيفٌ لِي سِوى فِرَاشِ المَوْتِ / ولا عَائلةٌ لِي سِوى أمواجِ البَحْرِ المُحَاصَرِ بالذِّكرياتِ .