13‏/01‏/2024

التفاح المنسي في هيكلي العظمي

 

التفاح المنسي في هيكلي العظمي

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     لا تَكْرَهِيني يَا أُمِّي / حِينَ تَصِيرُ أخشابُ مَطْبَخِ بَيْتِنا المهجورِ ألْوَاحًا لِنَعْشِي المجهولِ / دَمْعِي هُوَ الجُنديُّ المجهولُ في القِطَارِ الذي يَذهَبُ ولا يَعُودُ/ وَمَسَامِيرُ نَعْشِي هِيَ أبراجٌ للحَمَامِ الزَّاجِلِ/ لَكِنَّ رَسَائِلَ البَحْرِ إلى النَّوَارِسِ لَن تَصِلَ أبَدًا / مَاتَ النَّهْرُ عَلى صَدْرِ البُحَيرةِ / والبُحَيرةُ لا تَزَالُ تَكْتُبُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ للنَّهْرِ / سَوْفَ يَصْعَدُ النَّعناعُ مِن شَوَاهِدِ القُبُورِ / وتَنْمُو أجنحةُ الفَرَاشَاتِ بَيْنَ عِظَامِ المَوْتَى وصُحُونِ المَطْبَخِ / وَزَوْجَةُ حَفَّارِ القُبورِ تَنْشُرُ الغسيلَ عَلى سُورِ المقبرةِ / أنا أمُوتُ مُنذُ نُعومةِ أظافري/ وَلَمَعَانُ أظافرِ القَتْلى هُوَ الدَّليلُ السِّياحِيُّ في مَقابرِ المَطَرِ/ سَيَأكلُ البَقُّ خَشَبَةَ الصَّليبِ/ وَتَسْكُبُ الرَّاهباتُ دُمُوعَهُنَّ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ/ لا خَلاصٌ ولا مُخَلِّصٌ /

     أبِيعُ جِلْدِي لِقِطَطِ الشَّوَارِعِ / كَي أشتريَ أزْهَارًا صِنَاعِيَّةً لِتَوَابِيتِ العُشَّاقِ الخائنين / أرجوكَ أيُّها المَوْجُ المَشلولُ / لا تَهْدِم القُصورَ الرَّمليةَ عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ / مَناديلُ الوَدَاعِ للصَّبايا المجروحاتِ عَاطِفِيًّا عَلى رَصيفِ المِيناءِ / والسَّلاحفُ تَضَعُ بُيُوضَها عَلى جُثَثِ الأطفالِ اليَتامى / والحَشَرَاتُ نَسِيَتْ بُيُوضَها عَلى مَساميرِ نَعْشي / التي تُلَمِّعُها أُمِّي بِمِلْحِ دُمُوعِها في مَملكةِ الهَلَعِ /

     أنا حَارِسُ بَوَّابةِ العَارِ وَمُؤرِّخُ السَّرابِ / عِشْتُ كَي أكْتُبَ تاريخَ حُطامِ السُّفنِ وأنقاضِ قَلبي/ وأرَى فِئرانَ التَّجَارُبِ حِينَ تَصِيرُ كِلابَ حِرَاسَةٍ / بُكَاءُ الأطفالِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / بَعْدَ صُدورِ قَرَارِ إعدامِ آبَائِهِم / مَوْتُ العُشَّاقِ البَطِيءُ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / أسألُ غُبَارَ المرافئِ الخاليةِ /  مَا الفَرْقُ بَيْنَ الكَفَنِ وَقَمِيصِ النَّوْمِ إذا كانت المَرْأةُ جُثةً هَامِدَةً ؟ / أضاعَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ رَسَائِلَ العُشَّاقِ / وجُثمانُ الفَراشةِ لا يَزالُ في صُندوقِ البَريدِ / والحضارةُ تَنْكَسِرُ كَمَا تَنْكَسِرُ قِطَعُ الشُّوكولاتةِ في آخِرِ لَيالي الصَّيفِ /

     تَمْضُغُ النِّسَاءُ العِلْكَةَ حَوْلَ جُثمانِ النَّهْرِ/ فَيَا أيُّها النَّوْرَسُ المُتَوَّجُ عَلى عَرْشِ الأشلاءِ في الليلةِ الحزينةِ / الأوسمةُ العَسكريةُ الصَّدِئَةُ في حَاوِيَةِ القُمامةِ المُلَمَّعَةِ بِمِلْحِ دُمُوعِ النَّوَارِسِ / وأكاليلُ الغارِ عَلى أخشابِ التَّوابيتِ / وشَوَارِعُ السُّلِّ مَزروعةُ بِكَامِيرَاتِ المُرَاقَبَةِ ومُعَبَّدَةٌ بأغشيةِ البَكَارَةِ /

     حِبَالُ مِشْنَقتي مُلَوَّنةٌ كأجنحةِ الفَرَاشَاتِ / والبَحْرُ أضاعَ حَقيقةَ الأمواجِ وَهُوَ يَلْهَثُ وَرَاءَ الأمجادِ الوَهْمِيَّةِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تَتَكَسَّرُ في ثُقُوبِ جِلْدي / والزَّوابعُ تُعَقِّمُ أسنانَ الضَّحايا بِطَحَالِبِ المُسْتَنْقَعَاتِ اللازَوَرْدِيَّةِ / ودَمْعُ الرِّياحِ تَجَمَّدَ في لَيالي الصَّقيعِ / وَبَقِيَ المِلْحُ في حَنجرةِ البَحْرِ / وَبَقِيَ جُثمانُ الفَرَاشَةِ مُحَنَّطًا في جَناحِ بَعُوضةٍ عَمْيَاء .