14‏/01‏/2024

موسم تزاوج الديدان في جثماني

 

موسم تزاوج الديدان في جثماني

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     تَتَبَادَلُ النِّسَاءُ النِّكَاتِ حَوْلَ فِرَاشِ مَوْتِي / وَيَمْضُغْنَ العِلْكَةَ حَوْلَ أشلائي المنثورةِ في أرشيفِ الشُّموسِ المكسورةِ / والبَحُيرةُ تَخُونُ البَحْرَ مَعَ النَّهْرِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ / فلا تَمُتْ قَبْلَ مَوْتِكَ / ولا تُولَدْ قَبْلَ وَقْتِكَ / ولا تَعْشَقْ غَيْرَ أُمِّكَ وَحُزْنِكَ /

     سَتَكُونُ تَوَابِيتُ الرَّاهباتِ أجْرَاسًا نُحَاسِيَّةً بَيْنَ الفَرَائِسِ والكَنَائِسِ / سَيَكُونُ حِصَاني الخَشَبِيُّ دُسْتُورًا للدَّولةِ البُوليسِيَّةِ بَيْنَ الرَّهائنِ والغنائمِ / مَاتَ العُشَّاقُ بَيْنَ رَغْوَةِ القَهْوَةِ وَرَغْوَةِ الدَّمِ / وَصَارَ المَطْعَمُ خَالِيًا إلا مِنَ الحَشَرَاتِ والذِّكرياتِ /

     في ليالي الحُزْنِ الباردةِ / تَنْكَسِرُ أجنحةُ الجَرَادِ كَشَظَايا قَلبي / تَسْقُطُ أغصانُ أشجارِ المقابرِ كأمعائي الفُسْفُورِيَّةِ/ ويَخْتَلِطُ مِلْحُ دُمُوعي بِمِلْحِ خُبْزِ أُمِّي/ والبَحْرُ يُكَفِّنُ النَّوَارِسَ بأوراقِ الخريفِ/

     لا تَبْكِ عَلَيَّ يَا ضَوْءَ القَمَرِ/ سَوْفَ تَزُورُني امرأةٌ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ باردةٍ كَي تَغتالَ أحلامَ طُفولتي/ وتُطْلِقَ عَلى جَسَدي ذِكْرَيَاتِ الرَّحِيلِ وَرَصَاصَةَ الرَّحمةِ /

     مِثْلَمَا يُرْشِدُ ضَوْءُ المَنَارَةِ فِئرانَ السَّفينةِ إلى جُثَثِ البَحَّارَةِ / يُرْشِدُني لَمَعَانُ مَساميرِ نَعْشي إلى أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ / وَصَفِيرِ القِطَاراتِ الحَجَرِيِّ / وَصَفَّاراتِ الإنذارِ الزُّمُرُّدِيَّةِ / وَفَحِيحِ الحَوَاجِزِ العَسكريةِ / وكَمَا تَنْكَسِرُ مَلاقِطُ الغسيلِ في خُدُودِ الصَّبايا / تَنْكَسِرُ مَناديلُ الوَدَاعِ في التَّوابيتِ المصفوفةِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ كَصَناديقِ الخُضَارِ /

     جُثماني حَجَرُ الزَّاويةِ في قَصْري الرَّمْلِيِّ / والبَحْرُ يَقرأُ وَصِيَّتي أمامَ شَاطِئِ المساءِ الحزينِ /   أنا تُراثُ الزَّوابعِ ومِيرَاثُ الأمواجِ / أنا وَصِيَّةُ الرِّمالِ المُتحَرِّكَةِ في جُغرافيا القَلْبِ المَيْتَةِ / وأنا وِصَايةُ القاتلِ عَلى القَتيلِ / وانتقامُ القَتِيلِ مِنَ القَاتِلِ /

     يَصْنَعُ المَوْجُ مِن جِلْدي كَفَنًا للبَحْرِ / ويَصْنَعُ المطرُ مِن فَرْوِ الثعالبِ حَقَائِبَ للنِّساءِ المَجروحاتِ عاطفيًّا / والعَبيدُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ عَلى قَشِّ الإسطبلاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ / والصَّحراءُ تَكتبُ وَصِيَّةَ رِمَالِ الذاكرةِ بِحُرُوفٍ مِن أبجديةِ السَّرابِ /

     أضاعَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ رَسَائِلَ العُشَّاقِ بَيْنَ نَصْلِ المِقْصَلةِ وَحَدِّ الخَنْجَرِ / والزَّوابعُ تُعَقِّمُ نَصْلَ مِقْصَلتي بِمِلْحِ البَحْرِ / وَمِلْحُ دُمُوعِ أُمِّي يُطَهِّرُ حَبْلَ مِشْنَقتي مِنَ الجَرَاثِيمِ / وأنا البائعُ المُتَجَوِّلُ / أبيعُ أشلائي لِنَوَارِسِ البَحْرِ أمامَ الحواجزِ العسكريةِ / وأبيعُ كُرَيَاتِ دَمِي عَلى إشاراتِ المُرُورِ / وأنا المَوْلُودُ مَنْفِيًّا في أُنوثةِ السَّنابلِ المُتَوَحِّشَةِ / وأنا المَيْتُ مَنْبُوذًا في أوراقِ الخريفِ المُوحِشَةِ .