18‏/01‏/2024

عرس النهر هو مأتم البحر

 

عرس النهر هو مأتم البحر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.........................

     ذَهَبَتْ طُيُورُ البَحْرِ إلى الفَجْرِ الكَاذِبِ / وَلَمْ تَرْجِعْ / الجُثَثُ مَتْرُوكَةٌ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ / وَحَفَّارُ القُبورِ ذَهَبَ إلى احتضارِهِ / كَي يَسْتَلِمَ الرَّاتبَ الشَّهْرِيَّ / والأُمَّهاتُ يَنْتَظِرْنَ أمامَ الحواجزِ العسكريةِ لاستلامِ جَثامينِ أبنائِهِنَّ / والفُقَرَاءُ يَنْتَظِرُونَ مَوْتَهُم في طَوَابِيرِ استلامِ الخُبْزِ /

     ذَهَبَ الرِّجالُ إلى البَحْرِ وَلَم يَعُودُوا / بَقِيَتْ حَقَائِبُهُم شَاهِدَةً على اغتيالِ ذِكْرَيَاتِهِم وانكسارِ أحلامِ الطفولةِ/ الرَّاهباتُ مَصْلُوباتٌ عَلى الصُّلبانِ المكسورةِ / والزَّوابعُ صَلَبَت الحَمَامَ الزَّاجِلَ عَلى أبراجِ الكَنَائِسِ / لأنَّهُ أضاعَ مُضَادَّاتِ الاكتئابِ ورَسَائِلَ العُشَّاقِ / وأنا الطائرُ الغريبُ / أتَفَجَّرُ لأُضِيءَ أجنحةَ الفَراشاتِ / وأُحْرِقَ أحزانَ السُّنونو في الدُّروبِ / وأصْلُبَ الصَّليبَ عَلى الصَّليبِ / والقَنَّاصُ المشلولُ يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى نُهُودِ الفَتَيَاتِ قَبْلَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ / وعِظَامُ الأمواتِ هِيَ سِفْرُ الخُروجِ مِن لَيْلةِ الدُّخلةِ / وَيَرْكُلُ الأيتامُ جَمَاجِمَ أُمَّهَاتِهِم في أزِقَّةِ السُّلِّ مِثْلَ كُرَةِ القَدَمِ /

     أيَّتُها الزَّهرةُ البلاستيكِيَّةُ في لَيْلِ الشِّتاءِ/ إنَّ دُمُوعَكِ تَحْفِرُ اسْمَ الرَّحيلِ عَلى خَشَبَةِ صَلِيبِكِ / وسَرَطَانُ الثَّدْيِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ صَدْرِكِ والصَّليبِ/ وأشلاءُ طُيورِ البَحْرِ عَلى فُرشاةِ أسنانِ حَارِسِ المقبرةِ/ وكانَ حُلْمي أن أكونَ نَجَّارًا / حتى أَصْنَعَ نُعُوشَ البَحَّارَةِ / أوْ حَدَّادًا / حتى أَصْنَعَ أبوابَ السُّجونِ في رِئتي / الجَرَادُ يُنَظِّفُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ القَرَابينِ والذِّكرياتِ / وَجُلُودُ الفِئرانِ تُغطِّي نافذةَ قَلْبي / فَكَيْفَ سَيَمُوتُ قَلْبي تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ وَحِيدًا ؟ /

     الجُثَثُ المُضيئةُ تُزَيِّنُ حِيطانَ غُرفتي / والأضرحةُ النُّحاسيةُ تُزَيِّنُ أوردةَ النَّهْرِ البلاستيكيةَ / وعِظَامُ الغَرْقَى تُزَيِّنُ أثاثَ بَيْتي / والرَّاهباتُ مَصْلُوباتٌ عَلى أبراجِ الكنائسِ / وأنا مَصْلُوبٌ عَلى عَمُودِ الكَهْرباءِ أمامَ أنقاضِ بَيْتي/ فَكَيْفَ يُنْقِذُ القَتيلُ القَتيلَ وَكُلُّنا مَرَايا مُهَشَّمَةٌ ؟ / كَيْفَ يُنْقِذُ الغريبُ الغريبَ وَكُلُّنا مَزْهَرِيَّاتٌ مَكسورةٌ ؟ /

     ضَوْءُ القَمَرِ يَكتبُ وَصِيَّتي عَلى حِيطانِ زِنزانتي / وسَجَّاني الرُّومانسِيُّ رَمَى مِفتاحَ زِنزانتي في حَنجرةِ البَحْرِ/ والطحالبُ تَنمو في حَنجرتي/ أعلامُنا مُنَكَّسَةٌ كأجنحةِ العصافيرِ المَيْتَةِ / وأبناؤُنا يَصْنَعُونَ مَجْدَ أعدائِنا / سَوْفَ تَنقَلِبُ الذِّكرياتُ عَلى ذَاكرتي / كَما يَنقَلِبُ دَمُ الحَيْضِ عَلى أُنوثةِ السَّنابلِ/ سَوْفَ يَنْمُو حُزْنُ المساءِ الخريفيِّ في عِظَامِ صَدْرِي/كَمَا يَنْمُو النَّهْدَانِ في صَدْرِ الذُّبابةِ /

     أنا الغريبُ في مِلْحِ البَحْرِ / المُغتَرِبُ عَن مِلْحِ دُمُوعي / والزَّوابعُ تَرْمِي جَثامينَ الجُنودِ في آبارِ الذاكرةِ / فَيَا أيُّها النَّهْرُ الباكي في ذَاكرةِ الصَّهيلِ / اسكُن في قُلُوبِ الشَّركسياتِ لِكَيْلا تَمُوتَ .