19‏/01‏/2024

مشاعر البحيرة قبل موتها في أحضان القمر

 

مشاعر البحيرة قبل موتها في أحضان القمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........................

     لِمَاذا تُخَطِّطُ لاغتيالي يَا ضَوْءَ القَمَرِ ؟ / أنامُ والمُسَدَّسُ تَحْتَ وِسَادتي / وَسُعَالُ أبي في لَيالي الشِّتاءِ يَخْلَعُ جِلْدِي / وَأُمِّي ذَهَبَتْ إلى المَوْتِ وَحِيدَةً / وَبَقِيَتْ جَدَائِلُ شَعْرِها عَلى مَرايا المساءِ القِرْمِزِيِّ / وأجنحةُ الذُّبابِ تُزَيِّنُ نَافذةَ سِجْني التي تُطِلُّ عَلى دِمَائي / التي تَتساقطُ في حُفَرِ المَجَاري / وَدُمُوعُ البَنَاتِ تَنْهَمِرُ في آبارِ القُرى المَنْسِيَّةِ /

     هَدَمَ الأطفالُ القُصورَ الرَّمليةَ / وَرَكَضُوا إلى البَحْرِ كَي يَمُوتوا في خُدُودِ المَوْجِ / وَبَقِيَتْ ألعابُ الأطفالِ عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ / ومَناديلُ الوَدَاعِ عَلى رَصِيفِ المِيناءِ تَحْتَ بَساطيرِ العَسْكَرِ /

     أيُّها التَّائهُ في غُربةِ المعنى بَيْنَ اليَاقُوتِ والمَطَرِ / كُنْ مُتَفَائِلًا / واعْشَقْ أشجارَ المقابرِ / وابْنِ مَمْلَكَتِكَ بَيْنَ حَبْلِ الغسيلِ وحَبْلِ مِشْنَقَتِكَ / أيُّها المَلِكُ المُتَوَّجُ عَلى عَرْشِ السَّرابِ بَيْنَ حُطَامِ رُوحِكَ وحُطَامِ سَفِينَتِكَ / كُنْ مُتَوَاضِعًا / وابْتَسِمْ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ في طُرُقاتِ الكُوليرا / وألْقِ التَّحِيَّةَ عَلى بَاعَةِ الخُضَارِ أمامَ المحاكمِ العَسكريةِ /

     غُرْبَةُ اللبُؤَاتِ في زُرقةِ الشُّطآنِ / وأجنحةُ الذُّبابِ تَتساقطُ في فَناجينِ القَهْوةِ الباردةِ / التي تَرَكَها العُشَّاقُ عَلى طَاولاتِ المطاعمِ/ وذَهَبُوا إلى بَريقِ الاحتضارِ الشَّاسعِ/ أرتدي نَظَّاراتٍ سَوْدَاء/ وأركضُ في لَيْلِ الوَدَاعِ / لِكَيْلا يَرى المطرُ دُمُوعي /

     مَحطةُ القِطَاراتِ خَالِيَةٌ كَقَفَصِي الصَّدْرِيِّ / وبَارِدَةٌ كَمَسَامِيرِ نَعْشي / وأنا الغريبُ المنبوذُ / أجْلِسُ عَلى مَقْعَدٍ خَشَبِيٍّ قَديمٍ في المحطةِ / لا أنتظِرُ أحَدًا / ولا أحَدٌ يَنْتَظِرُني / أكَلَ البَقُّ خَشَبَ المَقَاعِدِ / وأكَلَ ضَوْءُ القَمَرِ أعصابي /

     لا تَخَافُوا مِن ظِلالِ المَوْتَى / مَا دَامَ دَمِي عَلى زُجاجِ نافذتي يَحْرُسُ أعلامَ القبائلِ المُنَكَّسَةَ / ويَكْتَبُ قَصائدَ المديحِ للبَعُوضِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / قَلبي مَكْسُورٌ كَبَرِيقِ الأمطارِ عَلى أجسادِ الفُقراءِ / لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي / ويَرْفَعُونَ حَبْلَ مِشْنَقتي تَذكَارًا / وَحْدَهَا شَوَارِعُ الدَّمْعِ تَحْمِلُ اسْمِي / أظافري تَتَوَهَّجُ كَنَصْلِ المِقْصَلةِ / وَتُضِيءُ الطريقَ أمامَ فِئرانِ التَّجَارُبِ / والجَرَادُ يَأكُلُ خُدُودي/فلا تَكْرَهِيني يا أُمِّي/وأشِعَّةُ القَمَرِ تُحَطِّمُ هَيْكَلي العَظْمِيَّ/فلا تَكْرَهْني يا أبي/

     عِشْتُ تَحْتَ الأرضِ / فلا تَخْدَعْ طَيْفِي أيُّها التُّرابُ الفِضِّيُّ / مُتُّ تَحْتَ الأرضِ / فلا تَخُنْ وَجْهي أيُّها الضَّبابُ الوَرْدِيُّ / كُنْتُ غَرِيبًا مِثْلَ ظِلِّ امرأةٍ غامضةٍ عَلى خَاتَمِ الخُطُوبةِ المكسورِ / والبَقُّ أَكَلَ أخشابَ الصُّلْبانِ / والرَّاهباتُ سائراتٌ إلى الدَّيْرِ القديمِ تَحْتَ ثُلوجِ الوَدَاعِ الدَّامِيَةِ .