31‏/01‏/2024

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

 

النساء صاحبات الوجوه الأسمنتية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............................

     خُدُودُ النِّسَاءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / والأجفانُ مِنَ النُّحَاسِ / أَكْرَهُكِ يا مَدِينةَ الأوهامِ / أكْرَهُكِ يا أوهامَ المدينةِ / فَلا تُحْرِقِي رِئتي بالمطرِ الأزرقِ / إنَّ دَمِي لَيْسَ أزرق /

     الصَّحراءُ مَجروحةٌ عَاطِفِيًّا / بَعْدَ اكتشافِ خِيانةِ الرَّمْلِ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَطُفُولةُ البَحْرِ تَكْبَرُ تَحْتَ الحِصَارِ كأشجارِ المقابرِ / والعناكبُ تُضِيءُ البَرَاوِيزَ في غُرفتي الباردةِ / أَجْلِسُ عَلى صُخورِ الشَّاطئِ عِندَ الغُروبِ / وأنتظِرُ القَراصنةَ كَي يَهْدِمُوا قَصْري الرَّمْلِيَّ / والعُشَّاقُ رَحَلُوا مِن شُطآنِ الدَّمْعِ إلى أزِقَّةِ الجِرْذَانِ /

     افْرَحْ أيُّها المشنوقُ الرُّومَانسِيُّ / سَيَكُونُ حَبْلُ مِشْنَقَتِكَ مِنَ الحريرِ / وَاحْزَنْ يَا حَارِسَ المقبرةِ/ لأنَّ دُودةَ القَزِّ مَاتَتْ في مَناديلِ الوَدَاعِ / سَيَأكُلُ الدُّودُ جُثماني الطازَجَ بَيْنَ أضرحةِ السِّيراميك / رَقَبَةُ المَلِكَةِ المَلْسَاءُ تَحْتَ صَخَبِ المِقْصَلَةِ/ وَقُمصانُ النَّوْمِ على حِبَالِ المشانقِ أَوْ حِبَالِ الغسيلِ/ وَجَاءَ مَوْعِدُ الأرَقِ قَبْلَ تنفيذِ حُكْمِ الإعدامِ في الفَجْرِ الكَاذِبِ / الزَّوابعُ أَغْلَقَت السِّيركَ بالشَّمْعِ الأحمرِ / سَقَطَتْ لاعبةُ السِّيركِ عَن حَبْلِ الذِّكرياتِ المُخْمَلِيِّ / وَعَادَ المُهَرِّجُ إلى أطفالِهِ بَاكِيًا في آخِرِ الليلِ / والصَّقيعُ أَغْلَقَ المَلْهَى الليلِيَّ بالشَّمْعِ الأحمرِ / والرَّاقصةُ المشلولةُ نَسِيَتْ مَوْعِدَ العَشَاءِ عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / والكوليرا تَفْتَرِسُ خُدُودُ الأطفالِ تَحْتَ ضَوْءِ أعمدةِ الكَهْرَبَاءِ / في شَوَارِعِ الرَّصَاصِ الحَيِّ / سَيَظَلُّ جُثماني شَوْكَةً في حَلْقِ البُحَيْرَةِ / وأَركضُ في طُرُقَاتِ المساءِ اللازَوَرْدِيِّ وَحِيدًا / كَي أَهْرُبَ مِن جِلْدي الخائنِ الذي يَكْشِفُ أسراري لأشِعَّةِ القَمَرِ المَعْدِنِيَّةِ /

     أَبْنِي مَملكةَ الوَهْمِ بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَمِلْحِ البَحْرِ / وَفِئرانُ التَّجَارُبِ نَسِيَت الأوسمةَ العسكريةَ في مَعركةِ السَّرابِ / أركضُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ الغارقِ كالفأر المذعورِ / أبحثُ عَن بُوصلةِ احتضاري / وأُنَقِّبُ في جِلْدِي عَن خَارطةِ قَبْري / والذِّئبُ الوَحيدُ يُحَاوِلُ إخراجَ الرَّصاصةِ مِن جَسَدِهِ /

     ألْعَبُ بِكُرَيَاتِ دَمِي في الوَقْتِ الضَّائِعِ/ وأبيعُ أشلائي على إشاراتِ المُرُورِ / كَي أشتريَ نَهْرًا أدْفِنُ فِيهِ أبي/ وأقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَشريحِ جُثتي/ كَي أَعْرِفَ هَلْ أنا القاتلُ أَمِ المَقتولُ / والأيتامُ يَقْضُونَ العُطلةَ الصَّيْفِيَّةَ في حَفْرِ القُبُورِ لأُمَّهَاتِهِم / وَذَهَبَت الفَتَيَاتُ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ / وَبَقِيَ لَمَعَانُ أظَافِرِهِنَّ عَلى البيانو / تَمُوتُ الذِّكرياتُ في مَعركةِ الوَهْمِ / واللبُؤَاتُ المَجروحاتُ عَاطِفِيًّا تَتَقَاسَمُ كَبْسُولَةَ السِّيَانَيْدِ / كَمَا يَتَقَاسَمُ الفُقَرَاءُ رَغِيفَ الخُبْزِ / حَبْلُ المِشْنَقَةِ الزُّمُرُّدِيُّ/ وأظافرُ السَّجَّانِ مِنَ الكَهْرَمَانِ/ وَتَنفيذُ حُكْمِ الإعدامِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ .