29‏/02‏/2024

مكياج السبايا يتساقط على الحواجز العسكرية

 

مكياج السبايا يتساقط على الحواجز العسكرية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     عِندَما تَذُوبُ الحضارةُ تَحْتَ صَليلِ السُّيوفِ / كَما يَذوبُ المِكياجُ تَحْتَ شَمْسِ الظهيرةِ / عِشْ في قَلْبِ امرأةٍ غَامضةٍ لِيُصْبِحَ دَمُكَ حَضارةً / بَيْنَ مُلوكِ الطوائفِ وَتُجَّارِ الحُروبِ / جَاءَ الاحتضارُ الشَّاسِعُ أيَّتُها اللبُؤَةُ / دُودُ القُبورِ سَيَأكُلُ ثَدْيَيْكِ / اللذَيْنِ تَفتخرينَ بِهِمَا أمامَ جُثَثِ الجنودِ القَتلى المَنْسِيِّينَ في المعركةِ / والدُّوَيْلاتُ البَدويةُ اللقيطةُ يَحْكُمُهَا رُعيانُ الغَنَمِ / الذِينَ يُسَمُّونَ أنفُسَهُم أُمَرَاءَ المُؤمِنين /

     ضَوْءُ القَمَرِ يُحْرِقُ خُدُودَ البُحَيْرَاتِ / وَصَوْتُ المطرِ يَحْفِرُ جِلْدي كالرَّصاصِ الحَيِّ في مُدُنِ الأمْوَاتِ / ذَهَبَ الجُنودُ المَجْهُولُونَ إلى المَوْتِ في أرضِ المَعركةِ / ولَمَ يَتْرُكُوا وَرَاءَهُم مَجْدًا ولا أوسمةً/ هُرُوبُ الجِنرالاتِ مِنَ الذِّكرياتِ / وَفِرَارُ الصَّبايا مِنَ الحَكَايَا / وَطَنٌ يَسْقُطُ عَلى أرشيفِ الضَّحايا / كَمَا تَسْقُطُ مَلاقِطُ الغسيلِ عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / وَطَنٌ مات / كُلُّ شَيْءٍ مات /

     في مَملكةِ الرَّمْلِ المُخْمَلِيِّ / يَخُونُ السَّرابُ الصَّحراءَ / وَتَطْعَنُ الصَّحراءُ البَحْرَ في الظَّهْرِ / وَيَطفو دَمُ السُّنونو عَلى سَطْحِ النِّفْطِ / وَعِطْرُ قَاتِلتي يَقُودُني إلَيْها في مَساءٍ خَريفيٍّ / بِلا قَمَرٍ ولا قُبُور/ لا أبناءَ لِي يَحْمِلُونَ اسْمِي / جُثتي تَحْمِلُ اسْمَ قَلبي / وأنا أحْمِلُ اسْمَ نَفْسِي / وأرِثُ نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِهَا / وأرثي نَفْسِي بَعْدَ اغتيالِها / أنا الوَارِثُ والمَوْرُوثُ والتُّرَاثُ والمِيراثُ / أنا وَصِيَّةُ البُحَيْرَاتِ / أنا وِصَايَةُ القَاتلِ على الضَّحِيَّةِ /

     صُرَاخُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يَذُوبُ في صَوْتِ المَطَرِ في لَيالي الهَلَعِ / وَصَفَّاراتُ الإنذارِ في مَملكةِ الإمَاءِ / وَالحَمَامُ الزَّاجِلُ نَسِيَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ أبراجِ الكَنائسِ وأبراجِ المُعْتَقَلاتِ / سَوْفَ يَلتقي الغريبُ مَعَ الغريبةِ / عِندَما تَلتقي ضَفائرُ الرَّاهباتِ مَعَ الصُّلبانِ البلاستيكيةِ /  والكِلابُ البُوليسيةُ تَنتظرُ عِندَ أبراجِ الكَنائسِ / والأغرابُ يَقْتَسِمُونَ الغنائمَ في نَهارِ الضَّحايا / وَيُوَزِّعُونَ الرَّهائنَ في لَيْلِ السَّبايا /

     لا تَزَالُ جُثَثُ النِّسَاءِ على أرْصِفَةِ الوَدَاعِ في مُدُنِ القُمَامَةِ/ وَالمَوْجُ هَدَمَ القُصُورَ الرَّمليةَ تَحْتَ وَمِيضِ البَرْقِ/ وَنَسِيَ الأيتامُ الشُّوكولاتةَ في ثَلاجَةِ المَوْتَى / يا رَمْلَ البَحْرِ / عَلِّمْنِي جَدْوَلَ الضَّرْبِ/ إنَّ القَتلى أرقامٌ/ وَكُرَيَاتُ دَمِي سَبَايا/ نُعُوشُ الجُنودِ مَصْفُوفةٌ في عَرَبَاتِ القِطَارِ كَصَناديقِ الخُضَارِ / والأُمَّهَاتُ يَنْتَظِرْنَ الصَّقيعَ في مَحطةِ القِطَاراتِ الفارغةِ / سَأمُوتُ في الشَّفَقِ الزَّهْرِيِّ / وَأُولَدُ في قَلْبِ شَركسيةٍ غامضةٍ / تَركضُ في أدغالِ الغُروبِ / بَيْنَ مِلْحِ الدَّمْعِ وَصَلِيلِ الوَدَاعِ .