28‏/02‏/2024

طيور البحر في موسم البكاء

 

طيور البحر في موسم البكاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     زِنزانتي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ الأخيرِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تُعَقِّمُ بَلاطَ الزِّنزانةِ بِمِلْحِ الدُّموعِ / والطائراتُ قَصَفَتْ حِبَالَ الغسيلِ / فَسَقَطَتْ ثِيَابُ الحِدَادِ عَلى سَطْحِ الوَدَاعِ أوْ سَطْحِ البَحْرِ / افْرَحُوا أيُّها الضَّحايا / يَنْتَظِرُكُم مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ في المَقَابرِ الجَمَاعِيَّةِ / ولا دُسْتُورَ إلا التَّطْهِيرُ العِرْقِيُّ /

     ضَفائرُ الرَّاهباتِ مَرْبُوطةٌ بِمَساميرِ الصُّلبانِ / وأجنحةُ الفَراشاتِ عَالِقةٌ بالأسلاكِ الشَّائكةِ على أسوارِ المُعْتَقَلاتِ / انكَسَرَتْ أُنوثةُ أشجارِ المقابرِ بَيْنَ الطَّاغِيَةِ المُقَدَّسِ وَبَرِيقِ المُسَدَّسِ /

     أخَذَت الشَّركسيةُ قلبي/ وَدَخَلَتْ في ذَاكرةِ الشَّفَقِ / وما زِلْتُ أنتظرُ عَوْدَتَهَا / كما تنتظرُ الأراملُ عَوْدَةَ أبنائِهِنَّ القَتْلى مِنَ الحَرْبِ / لَيْتَنِي سَألْتُكِ يَا سَجَّانتي قَبْلَ أن تَمُوتِي/ هَل تُحِبِّينَنِي ؟ /

     بَعْدَ الشَّركسياتِ/ صِرْتُ سَرَابًا يُظِّلَلُ الحَطَبَ الأخْضَرَ / وأنتظرُ طُيُورَ البَحْرِ كَي تَدْفِنَنِي في ذَاكرةِ الشَّفَقِ / بَعْدَ الشَّركسياتِ / صِرْتُ جُثةً هامدةً أنتظرُ رَصاصةَ الرَّحمةِ / كَي أموتَ مَرَّتَيْن /

     إنَّ حَيَاتي مَوْتٌ / وَمَوْتي مَوْتٌ / فَاكْتَشِفْ أُنوثةَ القصيدةِ في أبجديةِ المَوْتِ / وَعِشْ حَيَاتَكَ وَمَوْتَكَ في قَلْبِ امرأةٍ لِتَظَلَّ طَيْفًا في المساءِ الوَرْدِيِّ / عِندَما تَسْقُطُ الحضارةُ كَمَلاقِطِ الغسيلِ / وَتَنْكَسِرُ الدُّوَلُ كَقِطَعِ الشُّوكولاتةِ /

     كُوني عَشيقةَ السَّرابِ أيَّتُها الصَّحراءُ / لا تاريخَ لِشُطآنِ الاحتضارِ سِوى الرِّمالِ / والأيتامُ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمليةَ على جُثَثِ أُمَّهَاتِهِم/والسَّلاحفُ تَضَعُ بُيُوضَهَا في حَناجرِ النِّساءِ البَاكِيَاتِ / وَالمَوْجُ قَادِمٌ كَي يَهْدِمَ القُصورَ الرَّمليةَ وَذَاكرةَ الرَّحيلِ /

     خُدودُ النِّساءِ مِنَ الأسْمَنْتِ المُسَلَّحِ / لَكِنَّ قَلبي أعْزَلُ في مُوَاجَهَةِ أحلامِ الطفولةِ والرُّومانسيةِ الضَّائعةِ / والأمواتُ الذينَ رَحَلُوا لَمْ يَرْحَلُوا مِن قَلبي / أنا حَفَّارُ القُبورِ في المقابرِ الكريستاليةِ / أُعْلِنُ انتصاري عَلى رُفَاتِ الأشجارِ المُضيئةِ / أنا حَارِسُ المُسْتَنْقَعَاتِ في لَيالي الصَّيْفِ المُقْمِرَةِ / أُعْلِنُ انتصاري عَلى طَحَالِبِ القُلوبِ المكسورةِ /

     أيُّها الشَّاطِئُ الفَيْرُوزِيُّ / ابْحَثْ عَن البَحْرِ الضَّائعِ بَيْنَ الفَنادقِ والخنادقِ / سَأبحثُ عَن وَطني الضَّائعِ بَيْنَ دُستورِ مُلوكِ الطوائفِ ودِيمُقراطيةِ أُمَرَاءِ الحُروبِ / إنَّ جُرْحي كَالمَوْجِ / لِهُ حِصَّةٌ في جَسَدِ البَحْرِ / وأنا السَّرابُ أَخُونُ الصَّحراءَ مَعَ الرِّمالِ / وَلِي حِصَّةٌ في ذِكرياتِ القَتلى / وَأملاحُ دَمْعي لَوْحَةٌ مَنْسِيَّةٌ في مُتْحَفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ/ افْرَحْ يا سَجَّاني/ إنَّ البَدْوَ الرُّحَّلَ يُحَرِّرُونَ فِلِسْطِين / افْرَحِي يا قَاتِلَتي / إنَّ رُعْيَانَ الغَنَمِ يُحَرِّرُونَ الأندَلُسَ .