04‏/02‏/2024

النساء كثيرات لكن قلبي واحد

 

النساء كثيرات لكن قلبي واحد

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     لَمْ أتَطَهَّرْ مِن ضَجِيجِ نَبَضَاتِ قَلْبي في لَيْلِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / تَبْني النُّسورُ أعشاشَها في أنقاضِ قَلْبي / وَتَخُونُني جِيَفُ الخُيُولِ الخَشَبِيَّةِ عَلى قَشِّ الإسْطَبْلاتِ/ وَدُمُوعُ اللبُؤَاتِ خَانَتْ مِلْحَ البَحْرِ/ لا مُسْتَقْبَلَ للطحالبِ إلا المُسْتَنْقَع / نُهُودُ جَوَاري القُصُورِ مِنَ أسْمَنْتِ الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ / لَكِنَّ المَوْجَ هَدَمَ القُصورَ الرَّمليةَ / ومَاتَ الأطفالُ على شُطآنِ الغُروبِ / بَرِيقُ نَصْلِ المِقْصَلَةِ في لَيالي الشِّتاءِ / وحَبْلُ المِشْنَقَةِ بَيْنَ ثَدْيَيْكِ أيَّتُهَا المَلِكَةُ البَاكِيَةُ بَعْدَ الانقلابِ العَسكريِّ /

     سَلامًا أيَّتُها الذِّئبةُ الغريبةُ التي تَمُرُّ بِجَانِبِ تابوتي المَنْسِيِّ عَلى الرَّصيفِ/ تَحْتَ أمطارِ الخريفِ الأُرْجُوَانِيَّةِ / أركضُ في أزِقَّةِ المِيناءِ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الأخيرةِ / كَي أُصَفِّيَ حِسَابَاتي مَعَ البَحْرِ والذِّكرياتِ ومَناديلِ الوَدَاعِ / والإعصارُ يَبْحَثُ في حُطَامِ سَفِينتي عَنِ الفِئرانِ التي أَكَلَتْ خُدُودَ النِّسَاءِ / وتتناثرُ القلوبُ المكسورةُ في الحِكَايَاتِ / كَمَا تتناثرُ حَبَّاتُ الرُّمَّانِ في الأمطارِ /

     صَوْتُ المطرِ يُحْرِقُ المِلْحَ في دُمُوعي / مَاتَ الرِّجالُ / زَرَعْنَاهُم في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ / وشَوارعُ الطاعونِ خاليةٌ إلا مِنَ الرِّياحِ/ والقَنَّاصُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ على الحَشَرَاتِ بَعْدَ مَوْتِ البَشَرِ/ أنا النَّاجي الوحيدُ مِنَ المَذبحةِ / نَجَوْتُ كَي أكتبَ قصائدَ الرِّثاءِ للغُرَبَاءِ / وأخترعَ تاريخَ الضَّحايا المَنْسِيِّين / وَأَرْسُمَ جُغرافيا أحْزَانِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ/ وأحْصُلَ على الأوسمةِ الصَّدِئَةِ/ وأعيشَ مُؤرِّخًا للأرضِ المَحروقةِ والجُثَثِ المُتَفَحِّمَةِ / أنا مُؤرِّخُ الخَرَابِ / مَهْزُومٌ أنا لَكِنِّي أمشي تَحْتَ أقواسِ النَّصْرِ / لا نِسَاءٌ يُلْقِينَ عَلَيَّ أكاليلَ الغَارِ / ولا رِجَالٌ يُؤَدُّونَ التَّحِيَّةَ العَسكريةَ لِنَعْشِي /

     أبْحَثُ عَن السَّبايا كَي نَبكيَ في مَملكةِ الذِّكرياتِ/وسَوْفَ يَنمو الكَرَزُ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ/ أنا الرَّعْدُ الأخيرُ في مَرْفأ الأكْفَانِ / أقْضِي وَقْتَ الفَرَاغِ في تَزيينِ أشجارِ المَقبرةِ وَزَخْرَفَةِ النُّعوشِ / وكانَ عَلَيَّ أنَّ أعْرِفَ أنَّ القَنَّاصَةَ مُنْتَشِرُونَ في أبراجِ الكَنائِسِ / وأنَّ جَدَائِلَ الرَّاهباتِ مُعَلَّقَةٌ على حِيطانِ غُرفةِ الاعترافِ / كالبَراويزِ الخشبيةِ التي يَأكُلُهَا البَقُّ / ضَاعَت الرَّسائلُ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ يَبِيضُ في كُرَيَاتِ دَمِي / التي تأخذُ لَوْنَها مِن وَمِيضِ البَرْقِ / فَوْقَ تِلالِ وَطَنِي الضَّائعِ / كأرملةٍ مَنْسِيَّةٍ كالصَّقيعِ في مَحطةِ القِطَاراتِ / تَذهبُ القِطاراتُ ولا تَعُودُ / وَمَدِينةُ الخَوْفِ تُولَدُ بَيْنَ صَفِيرِ القِطاراتِ وصَفَّاراتِ الإنذارِ / ولا وَقْتَ أمامَ السَّرابِ كَي يَغتَصِبَ الصَّحراءَ / جَماجمُ العبيدِ في نَشِيدِ الرِّمَالِ / وحَليبُ السَّبايا في بَراميلِ النِّفْطِ / وأنا النَجَّارُ الأخيرُ في الموانئِ الغارقةِ / صَنَعْتُ التَّوابيتَ / وكَسَرْتُ الصُّلْبَانَ .