07‏/02‏/2024

فراش الزوجية وفراش الموت

 

فراش الزوجية وفراش الموت

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

........................

     رَائِحَةُ ضَوْءِ القَمَرِ على أعشابِ المَقَابِرِ/ والخَرِيفُ البعيدُ في نَزِيفِ الطُّفولةِ الوَرْدِيِّ / أَشُكُّ في ذِكرياتي/ لأنَّ السُّجَنَاءَ يَتَفَرَّجُونَ على إعْدَامِهِم شَنْقًا في الفَجْرِ الكاذبِ / قَد مُتْنَا يا سَجَّاني مُنْذُ زَمَنٍ بَعيدٍ / لَكِنَّنا نَعيشُ أشباحًا سَجينةً في أخشابِ البراويزِ عَلى حِيطانِ الزَّنازينِ الفارغةِ إلا مِن آثارِ الدَّمِ / وأبناؤُنا يَصْنَعُونَ مَجْدَ أعْدَائِنَا / وُلِدُوا في الأندَلُسِ / لَكِنَّهم يُدَافِعُونَ عَن سَدُوم /

     صَوْتُ الرَّعدِ يُطَهِّرُ مَساميرَ نَعْشي مِنَ الصَّدَأ / والجماجمُ على صَدْرِ النَّهْرِ هِيَ الأوسمةُ العسكريةُ / بَعْدَ هُروبِ الجُنودِ مِنَ المعركةِ / وتَنكيسِ أعلامِ البَدْوِ الرُّحَّلِ / الذينَ بَاعُوا فِلِسْطِينَ لِتَحْرِيرِ الأندَلُسِ /

     العناكبُ الذهبيةُ تائهةٌ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ الذي نَسِيَهُ المساءُ في الحناجرِ / وَبَيْنَ رَغْوَةِ القَهوةِ التي نَسِيَها العُشَّاقُ في الكافتيريا / أنا الذِّئبُ المَجروحُ عَاطِفِيًّا / بَيْنَ أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ وضَبَابِ المُدُنِ المَسْبِيَّةِ / عِشْتُ حياتي كَي أُؤرِّخَ للحُبِّ الضائعِ / أنا الذِّئبُ المنبوذُ / أشلائي بُوصلةٌ للبَحْثِ عَن لَيْلَى/ عِشْتُ مَوْتي كَي أكتبَ تاريخَ السُّفُنِ الغارقةِ / أنقاضُ بَيْتي مِثْلُ حُطَامِ سَفينتي / أنا الرُّبَّانُ المخدوعُ / وفِئرانُ السَّفينةِ تَلْتَهِمُ كُرَيَاتِ دَمِي /

     الصَّقيعُ يأكلُ حَديقةَ الرَّحيلِ / وتوابيتُ الأطفالِ على أراجيحِ المساءِ / أنا طَيْفُ المَوْتِ في أشجارِ الشَّفَقِ/ والإعصارُ يَغسِلُ خُدُودَ الإمَاءِ في بَراميلِ النِّفْطِ / ويَتساقطُ ضَوْءُ القَمَرِ على رُخامِ القُبورِ / هَدَمَ المَوْجُ القُصورَ الرمليةَ / وابتلعَ الأطفالَ الذينَ بَنَوْهَا ضاحكين / ذَهَبَ الأطفالُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ألعابُهُم على رِمَالِ الشَّاطئِ الغريقِ /

     أَكْمِلْ مَوْتِي يا حَفَّارَ قَبْرِي / وحَرِّرْنِي مِن عُقدةِ النَّقْصِ / كَي أُصْبِحَ كَامِلًا مِثْلَ سُورِ المقبرةِ في المساءِ الحزينِ/ وجَميلًا كالنَّدى على أعشابِ القُبورِ في الصَّباحِ الدَّامِعِ / مَاتتْ عَازِفَةُ البيانو تَحْتَ الأمطارِ النُّحاسيةِ/ انكَسَرَ العَزْفُ كأعوادِ المشانقِ/ واختفى اللحنُ إلى الأبَدِ/ طُيُورُ البَحْرِ مَسْجُونةٌ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ/ وأنا المسجونُ في قَفَصِ الذِّكرياتِ/ وأنا السَّجَّانُ الذي أضاعَ مِفتاحَ الزِّنزانةِ / بَيْنَ حُطَامِ القُلوبِ وحُطَامِ السُّفُنِ / وتَمشي الرَّاهباتُ في طَريقِ الثلجِ وَحيداتٍ / نَحْوَ الدَّيْرِ القديمِ في قِمَّةِ الجَبَلِ التي تُطِلُّ على الهاويةِ/ وهَديلُ البُحَيرةِ السَّجينةِ يَكْسِرُ قَلبي / كَمَا يَكْسِرُ صَوْتُ المطرِ عِظَامَ الأمواتِ / ابْنِ قَصْرَكَ الرَّمْلِيَّ في قَلْبِ امرأةٍ / بَعِيدًا عَن شَاطئِ الوَدَاعِ / ولا تَثِقْ بِالمَوْجِ يا حارسَ المقبرةِ/ كُلَّمَا عَشِقْنَا البَحْرَ خَانَ وُجُوهَنَا/ فلا تَكْرَه البَحْرَ / كُلُّنَا خائنون .