08‏/02‏/2024

مراسم الدفن في مملكة السل

 

مراسم الدفن في مملكة السل

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

     غُربةُ الذِّكرياتِ في فِضَّةِ الأكفانِ / وأشعةُ القَمَرِ تنهمرُ عَلى الحواجزِ العَسكريةِ / في شَوارعِ الهَلَعِ التي أركضُ فِيها عَارِيًا / وأسألُ البَحْرَ المقتولَ / كَيْفَ نُمَيِّزُ السَّجَّانَ مِنَ السَّجينِ ؟ /

     وَجْهُكِ أيَّتُها الغريبةُ يَتساقطُ على شَظايا زُجاجِ القِطَاراتِ / وَمِيضُ البَرْقِ يُلَمِّعُ مَساميرَ نَعْشِي في لَيْلِ العُشَّاقِ القَتْلِى/ والزَّوابعُ الذهبيةُ تُحْرِقُ الجُثَثَ بَعْدَ إعدامِ أصحابِهَا/ وَيَفُضُّ العَبيدُ أغشيةَ البَكَارَةِ للأميراتِ تَحْتَ المَطَرِ /

     أحْمِلُ جِيناتِ الإعدامِ في قَلْبي / وَمِشْنَقتي مُعَدَّلَةٌ وِرَاثِيًّا / وَمِقْصَلتي بِطَعْمِ الكَرَزِ / ضَاعَت الرسائلُ بَيْنَ أمواجِ البَحْرِ النُّحاسيةِ وثُقُوبِ جِلْدِي البلاستيكيةِ / والحَمَامُ الزَّاجلُ يَبِيضُ على نافذةِ زِنزانتي الانفراديةِ / ذَهَبَت النَّوَارِسُ إلى ضَوْءِ المَوْتِ / والبَحْرُ نَسِيَ ثِيابَ الحِدَادِ على الشاطئِ /

     يَشْرَبُ حَفَّارُ القُبورِ القَهْوَةَ في استراحةِ المُحَارِبِ تَحْتَ أشجارِ المساءِ / تَفَرَّقَ دَمُ النَّهْرِ بَيْنَ القبائلِ / وأسماءُ الضَّحايا ضَاعَتْ بَيْنَ رَغْوَةِ الدَّمِ وَرَغْوَةِ القَهْوَةِ / وأجنحةُ الجَرَادِ تُزَيِّنُ أوعيتي الدَّمويةَ / والنَّهْرُ الأعمى يَرعى قَطِيعًا مِنَ الحَيَوَانَاتِ المَنَوِيَّةِ في مَمَالِكِ الاغتصابِ / وأشِعَّةُ القَمَرِ تَحْرُثُ قَاعَ المُسْتَنْقَعِ بَحْثًا عَن جُثماني الغَامِضِ /

     أنا القائدُ المُنْتَصِرُ بلا أقواسِ نَصْرٍ ولا أكاليلِ غَار / انتصرتُ على السَّرابِ لأنَّني أنا الوَهْم / الجُثَثُ في الشوارعِ القَذِرَةِ / والأوسمةُ العسكريةُ في حاوياتِ القُمامةِ / والفُقَرَاءُ يَبْحَثُونَ عَن الخُبْزِ تَحْتَ أنقاضِ البُيُوتِ / والمطرُ يَنْهَمِرُ على رُخامِ الأضرحةِ في ليالي الرَّصاصِ الحَيِّ /

     تتساقطُ أشلائي مِن ذَاكرةِ المساءِ على أزِقَّةِ الجِرذان / كَمَا يَتساقطُ كُحْلُ بَنَاتِ حَفَّارِ القُبورِ على حَشَائِشِ المَدَافِنِ / فَيَا أيَّتُهَا اللبُؤَةُ السابحةُ في الغُيومِ / إنَّ الرَّقَبَةَ الناعمةَ تَتَوَهَّجُ تَحْتَ نَصْلِ المِقْصَلةِ/ كُلُّ حُلْمٍ سَيَخْتَارُ طَرِيقَهُ في السَّرابِ/ فَاصْعَدْ مِن طَيْفِكَ الصَّحْرَاوِيِّ يَا سَجَّاني / لا تاريخٌ للقُصورِ الرَّمليةِ سِوى الأمواجِ الذهبيةِ / ولا مُسْتَقْبَلٌ للسُّجَنَاءِ سِوَى الرِّمالِ الخَضْرَاءِ /

     تختارُ الفريسةُ صَيَّادَهَا / وتختارُ الضَّحِيَّةُ قَاتِلَهَا/ وتختارُ المرأةُ الرَّجُلَ الذي سَيَغتَصِبُهَا / نوافذُ السِّجنِ الحديديةُ تُطِلُّ على أمواجِ البَحْرِ النُّحاسيةِ / وَطُيُورُ البَحْرِ تَزرعُ التُّفاحَ في سَقْفِ زِنزانتي الانفراديةِ/ مَصلوبٌ أنا على جَسَدِ الرِّياحِ/ لَكِنِّي كَسَرْتُ الصَّليبَ / مَكْسُورٌ أنا كَخُدُودِ السَّنابلِ/ لَكِنِّي كَسَرْتُ ظِلِّي / مَاتَ أهْلِي / لَكِنِّي أركضُ في مَمَرَّاتِ بَيْتِنا المُعْتِمَةِ مِثْلَ كُحْلِ الفَرَاشَاتِ / والزَّوَابعُ تَبْحَثُ عَن جُثتي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وَتَلْمَعُ عُيُونُ الفِئرانِ في أزِقَّةِ المِيناءِ المهجورِ .