02‏/03‏/2024

القلوب الموحشة والذكريات المتوحشة

 

القلوب الموحشة والذكريات المتوحشة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     مَوْجُ البَحْرِ يَصْنَعُ مِن أسنانِ النِّسَاءِ الحَزِينَاتِ أبراجًا للحَمَامِ/وأبراجًا للمُرَاقَبَةِ في مُعَسْكَرَاتِ الاعتقالِ / والقَنَّاصُ الأحْوَلُ يُطْلِقُ الرَّصاصَ على الحَمَامِ الزَّاجِلِ في مَملكةِ المَلاريا / وَرَسائلُ العُشَّاقِ سَقَطَتْ في أزِقَّةِ الجِرذان / وأشِعَّةُ القَمَرِ تَتساقطُ في طُرُقَاتِ الطاعونِ في الليلِ الطويلِ /

     تَنْمُو السَّنابلُ في حَناجرِ الصَّبَايا البَاكِيَاتِ اللواتي قَتَلَهُنَّ الهَدِيلُ المَعْدِنِيُّ / في مَوْسِمِ هِجرةِ الأنهارِ مِن مَساميرِ النُّعوشِ إلى الأغاني الوَطنيةِ / نَسِيتُ وُجُوهُ المَوْتَى / وَصِرْتُ أبحثُ عَن الأشياءِ التي مَاتتْ فِيَّ / تَرَكْتُ بُوصَلَةَ المقابرِ التي تُرْشِدُني إلى خُدُودِ القَتْلَى / التي أكَلَها الدُّودُ الرُّومانسِيُّ/ وَصِرْتُ أُفَتِّشُ عَن الفَراشاتِ التي مَاتتْ في قَلْبي / كَسَرْتُ المَزهرياتِ التي يُخَبِّئُ فِيها صَوْتُ الرَّعْدِ أحلامَ طُفولتي الضَّائعةَ / وَصِرْتُ أُنَقِّبُ عَن قلبي الذي مَاتَ بَيْنَ حَوَاسِّي المُحَاصَرَةِ /

     دَخَلْتُ في احتراقي الذَّاتِيِّ كالنَّجْمِ الذي غَادَرَ المَدَارَ / قَلْبي يَنْقَلِبُ عَلى شَراييني / وَرِئتي اليُمنى تُطْلِقُ الرَّصاصَ الحَيَّ على رِئتي اليُسرى/ وأنا بَيْنَ الاحْتِضَارِ وَالأمْطَارِ/ أنا الرُّبَّانُ الذي أضاعَ البُوصلةَ/ فيا فِئرانَ السَّفينةِ / ألْقِي نَظْرَةَ الوَدَاعِ على البَحْرِ في سَاعِة الغُروبِ / إنَّ السَّفينةَ تَغرَقُ /

     وُجِدَ الصَّلِيبُ كَي يُكْسَرَ / والبَدْوُ الرُّحَّلُ يُنَقِّبُونَ عَن النِّفْطِ في فُرُوجِ نِسَائِهِم/ افْرَحْنَ يَا بَناتِ حَفَّارِ القُبورِ/ أسعارُ العَوَانِسِ وَفْقَ سِعْرِ بِرميلِ النِّفْطِ / وقَطَرَاتُ المَطَرِ عَلى حَبْلِ المِشنقةِ / أموتُ في غَابةِ الياقوتِ في لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ يَتساقطُ فِيها الثلجُ / عِشْتُ وَحِيدًا / وَمُتُّ وَحِيدًا / لا زَوْجَةٌ ولا أولاد / لا دَوْلَةٌ ولا ذِكريات / كُلُّ شَيْءٍ مات/ انكسرَ النَّشيدُ الوَطَنِيُّ في مَملكةِ السَّرابِ / والعَبِيدُ يَجُرُّونَ نُهُودَ المَلِكَاتِ في أوديةِ الكُوليرا / والأيتامُ يَبِيعُونَ ضَفَائِرَ أُمَّهَاتِهِم القَتيلاتِ على إشاراتِ المُرُورِ / والجُنودُ يَسْحَبُونَ الجُثَثَ مِنَ الخنادقِ / المُسَدَّسَاتُ في الذِّكرياتِ / والخَنَاجِرُ في الحَنَاجِرِ / والبَنَادِقُ في الخَنَادِقِ / سَرَقَ الأغرابُ الأسنانَ الذهبيةَ مِن رَمَادِ الجُثَثِ بَعْدَ حَرْقِهَا/ وأنا المنبوذُ بَيْنَ الأزهارِ الصِّناعيةِ وَصَوْتِ الرَّعْدِ / أطلقتُ الرَّصاصَ الحَيَّ عَلى الحِكَايَاتِ المَيْتَةِ / لأتَحَرَّرَ مِن بَريقِ أجنحةِ الفَرَاشَاتِ في لَيالي الإعدامِ / الدَّبابيسُ عَلى الوِسَادةِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / أركضُ إلى المقبرة في لَيْلِ الشِّتاءِ / لَكِنِّي أبحثُ عَن الأشياءِ التي مَاتتْ في قلبي / في الغُروبِ الخالي مِن صُراخِ أشجارِ المقبرةِ / تَنْبُتُ الأزهارُ البلاستيكيةُ في جُثَثِ الضَّحايا / في المساءِ الخالي مِن بَريقِ عُيونِ حَفَّاري القُبورِ / تَنْمُو الطحالبُ بَيْنَ أسنانِ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ / وَيَتساقطُ الكُحْلُ مِن عُيُونِ بَناتِ حَفَّاري القُبورِ / عَلى عُشْبِ الأضرحةِ المُبْتَلِّ بالنَّدى في صَباحِ الإعدامِ .