03‏/03‏/2024

الأمهات ينتظرن قدوم جثث أبنائهن

 

الأمهات ينتظرن قدوم جثث أبنائهن

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     أرشيفُ الجُثَثِ المَنْبُوذَةِ/ وَصَابُونُ الأكْفَانِ عَلى الحَوَاجِزِ العَسكريةِ / وَرُفَاتُ القَتْلَى في لَوْحَاتِ المَتَاحِفِ / وَرُعْيَانُ الغَنَمِ يُوَزِّعُونَ الجَوَائِزَ عَلى الفَلاسِفَةِ / وَحَبْلُ مِشْنَقتي يَلْتَقِي مَعَ نَصْلِ مِقْصَلتي / كَمَا تَلْتَقِي مَسَامِيرُ الصُّلْبَانِ مَعَ ضَفائرِ الرَّاهِبَاتِ / وَالزَّوابعُ تَبِيعُ عِظَامَ الفُقَرَاءِ كالأثاثِ المُسْتَعْمَلِ/ أَعِيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ في المَقَابِرِ الجَمَاعِيَّةِ / أَجْمَعُ أحلامَ طُفولتي السَّحِيقةَ كَطَوَابعِ البَرِيدِ التَّذكاريةِ في مَتاحفِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / والأيتامُ يَبِيعُونَ الهياكلَ العَظميةَ لأُمَّهَاتِهِم على إشاراتِ المُرُورِ / وأنا غُربةُ اليَاقُوتِ في لَوْنِ الغُروبِ / أسْتَمِدُّ أحزاني مِن أحزانِ الشَّركسياتِ / كَمَا يَسْتَمِدُّ القَمَرُ ضَوْءَهُ مِنَ الشَّمْسِ /

     الرَّسائلُ التي يَحْمِلُهَا الحَمَامُ الزَّاجِلُ لَن تَصِلَ / لأنَّ العُشَّاقَ ماتوا تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ في مَحطةِ القِطَاراتِ/ سَتَظَلُّ أشلائي عَلى جُدرانِ مُتْحَفِ الجماجمِ البلاستيكيةِ / أجْمَعُ احتضاراتي كالعُملاتِ النادرةِ كَي أُؤرِّخَ للحُبِّ الضَّائعِ/وأجْمَعُ القُطْنَ في فِرَاشِ المَوْتِ كَي أتذكَّرَ شَيْخُوخَةَ النَّهْرِ الحَزِينِ / صَوْتُ المَطَرِ في ليالي الخريفِ كَرِعْشَةِ الحُبِّ الأوَّلِ في المَوْتِ الثاني / تَنكسِرُ المَزهرياتُ في وَمِيضِ البَرْقِ / كَما تَنكسِرُ قُلوبُ الشَّركسياتِ في صَهيلِ الذِّكرياتِ /

     كَيْفَ صَارَتْ أجنحةُ الفَرَاشَاتِ حَوَاجِزَ عَسكريةً في أزِقَّةِ الفِئرانِ ؟ / ضَوْءُ القَمَرِ وَطَيْفُ الشَّركسياتِ يُحْرِقَانِ جِلْدِي في ليالي الشِّتاءِ / وأوراقُ الخريفِ تَتساقطُ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / الذي يَخْلُو مِن الذِّكرياتِ والضَّحِكَاتِ / والأطفالُ يَحْمِلُونَ الفُؤوسَ لِدَفْنِ أُمَّهَاتِهِم في حَناجرِ النَّوارسِ / وَسَاعِي البَرِيدِ يَضَعُ الرَّسائلَ عَلى سُورِ المقبرةِ / إنَّ المقبرةَ هِيَ عُنوانُ بَيْتِي في سُعَالِ اليَتَامَى /

     صُرَاخُ البَحَّارَةِ الغَرْقَى يَكْسِرُ عِظَامَ الأسماكِ / بَيْنَ وَمِيضِ البَرْقِ وَصَوْتِ الرَّعْدِ / والقَمْحُ يَنمو عَلى سُطُوحِ القِطَاراتِ / التي تَذهَبُ إلى الشَّفَقِ ولا تَعُودُ / والعُشَّاقُ يَنْتَظِرُونَ الحَمَامَ الزَّاجِلَ في مَحطةِ القِطَاراتِ/ التي يَغتَصِبُهَا الصَّقيعُ والذُّبَابُ والغِيَابُ الذي لا يَغِيبُ /

     ذَهَبَ البَحْرُ إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ثِيَابُهُ في خِزانةِ الزَّوابعِ / وشَجَرُ الأضرحةِ لا يَعْرِفُ هَل يَذهَبُ إلى الاحتضارِ أَمْ يَنْتَظِرُ الاحتضارَ كَي يَأتِيَهُ / والشَّاحناتُ العَسكريةُ مُحَمَّلَةٌ بِالجُثَثِ المَجهولةِ/ والأُمَّهاتُ يَنْتَظِرْنَ ضَوْءَ القَمَرِ في ليالي الإعدامِ/ وأمعاءُ الصَّبَايا المَصْلُوبَاتِ مَتروكةٌ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ للقِطَطِ المُشَرَّدَةِ / نَسِيَ سَاعي البريدِ رَسَائِلَ الجنودِ على سُورِ المقبرةِ / والأطفالُ الذينَ يَبيعونَ أكْفَانَهُم على إشاراتِ المُرُورِ / نَسُوا مِلْحَ دُمُوعِهِم في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ .