28‏/02‏/2025

الرهائن والغنائم والفرائس

 

الرهائن والغنائم والفرائس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...........................

    الهَلَعُ يَتفجَّرُ في خُدودِ الصَّبايا / والرِّمالُ المُتحرِّكةُ تَرْسُمُ الخَوْفَ عَلى وُجوهِ الأطفالِ / الذينَ يَبْنُونَ القُصورَ الرَّمْلِيَّةَ تَحْتَ لَمَعَانِ الأمطارِ / ثُمَّ يَهْدِمُونَها تَحْتَ لَمَعَانِ الخناجِرِ /

     قُتِلَت البُحَيرةُ في اشتباكٍ مُسَلَّحٍ مَعَ السَّرَابِ / قَتَلْنَا أحلامَ الطفولةِ / ومَشَيْنَا في جِنَازَتِهَا / بَكَت النِّساءُ في مَرْفَأ الوَدَاعِ / بَكَى الخريفُ في دَمِي / والدُّموعُ لَن تُعِيدَ القَتْلَى / أنا الرَّصاصةُ الأُولَى والرُّومانسِيُّ الأخيرُ في مُدُنِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / أنا أوَّلُ مَن يُدْفَنُ بَيْنَ حَبَّاتِ التُّوتِ / وآخِرُ شَجَرَةٍ في المقبرةِ / أمشي إلى أشِعَّةِ القَمَرِ في الخريفِ / وأعْرِفُ أنَّ بَيْتَنَا سَيَخْلُو مِن سُعالِ أبي /

     وَرَّثَتْنِي البُحَيرةُ عُقَدَهَا النَّفسيةَ / ومَاتتْ بَيْنَ حَنجرةِ النَّهْرِ وجُثْمَانِهِ / والعَوَاصِفُ تَزرعُ الأغاني الوَطنيةَ بَيْنَ العَبيدِ والسَّبايا / والذِّكرياتُ صُورةُ البُرتُقَالِ بَيْنَ أرقامِ القَتْلَى / وَجِلْدِي أرشيفُ المطرِ في مُدُنِ الرَّمادِ / والقَنَّاصُ المشلولُ الذي يَعيشُ في أبراجٍ مِن جَمَاجِمِ الأطفالِ / أَطْلَقَ النَّارَ عَلى الكِلابِ البُولِيسِيَّةِ / وتَنَاثَرَ الدَّمُ على زُجاجِ السَّياراتِ في مَمَالِكِ الخديعةِ /

     لا تَقْلَقْ عَلى مُسْتَقْبَلِكَ المُشْرِقِ يَا حَفَّارَ القُبورِ / سَوْفَ تَجِدُ مَن يَدْفِنُكَ عِندَما تَمُوتُ / لَن تَظَلَّ جُثَّتُكَ عَلى الرَّصيفِ / نَحْنُ ذَاهِبُونَ إلى لَمَعَانِ أشجارِ الكَرَزِ بَيْنَ الأضرحةِ / نَجْمَعُ ذَهَبَ الخِيانةِ / ونَعِيشُ في التَّوابيتِ الفِضِّيةِ/ وتَنمو أشجارُ المقبرةِ في قَفَصي الصَّدْرِيِّ/ والصَّبايا يَرْمِينَ مِناديلَ الوَداعِ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / والمساءُ يَغتَصِبُ مَحطةَ القِطاراتِ / والأمطارُ نَسِيَتْ جُثماني على مَقْعَدِ الانتظارِ الخَشَبِيِّ /

     أنا الغريقُ الرُّومانسِيُّ / لِي نَصيبٌ مِن جَسَدِ البُحَيرةِ / ومَملكتي بَيْنَ رَائحةِ الخُبْزِ ورَائحةِ الرَّصاصِ/ كِلابٌ بُوليسيةٌ بَيْنَ الكَنائسِ والعَوَانسِ/ والرَّاهباتُ المشلولاتُ على الكَراسي المُتحرِّكةِ/ لا عَرْشَ للرَّمادِ سِوى غُرفةِ الاعترافِ/ والدُّموعُ الخضراءُ في المزهرِيَّاتِ/ وكُحْلُ الفَتَيَاتِ يَسيلُ على نَصْلِ المِقْصَلةِ / وأنا البَعيدُ عَن قَلبي / القَريبُ مِن أظافري / أَشُمُّ عِطْرَ الأمواتِ في الغُروبِ الفاصلِ بَيْنَ شَراييني والنَّهْرِ /

     انتَظَرْتُكِ أيَّتُها الذِّئبةُ في لَيالي الشِّتاءِ كَي تَغتالي ذِكْرياتي/ كَما يَنتظِرُ الأيتامُ مَلابِسَ العِيدِ في مَدينةِ القَتلى / مَنْسِيَّةٌ أنتِ أيَّتُها البُحَيرةُ الباكيةُ في قَلْبِ عَاشِقِكِ / كَقِيثارةٍ في صَحراءِ الياقوتِ / أو بيانو تَحْتَ المَطَرِ / والزَّوابعُ لا تُفَرِّقُ بَيْنَ أخشابِ التَّوابيتِ وأخشابِ البيانو / فَكُن أيُّها النَّهْرُ المشلولُ وَردةً بَيْنَ الأضرحةِ / وعَلَيَّ أن أكُونَ حَبَّةَ كَرَزٍ بَيْنَ الرَّصاصاتِ .