01‏/03‏/2025

ذلك الشتاء في أعماق الطفولة

 

ذلك الشتاء في أعماق الطفولة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أنا المَلِكُ المخلوعُ في انقلابِ الذاكرةِ على الذِّكرياتِ / أنامُ عَلى قَشِّ الإسطبلاتِ في لَيْلِ الشِّتاءِ الحزينِ/ واللبُؤَاتُ تَفْتَرِسُ الذِّكرياتِ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ في طُرُقَاتِ الخريفِ / الذي يُولَدُ في كُرَيَاتِ دَمِي / يُهَاجِمُني الليلُ كَضَوْءِ البَنَادِقِ الآلِيَّةِ / فأركضُ في غُرَفِ البَيْتِ الخاليةِ / باحثًا عَن جُثماني وسُعالِ أبي وجَدَائلِ أُمِّي /

     يُسَافِرُ البَعُوضُ مِن ثُقُوبِ جِلْدِي إلى حِيطَانِ زِنزانتي / اتْرُكْنِي أيُّها الرَّعْدُ كَمَا أنا/ عُشْبَةً مَنْسِيَّةً بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ / لا أمطارُ الخريفِ عَلى سُطُوحِ جِلْدِي / ولا وُجُوهُ الشَّركسياتِ عَلى زُجاجِ نافذتي / خَلَعَ البَحْرُ جِلْدَهُ / ورَكَضَ إلى حَبْلِ مِشْنقتي/ فِرَاشُ الموْتِ يُنادي على العَصَافِيرِ المُلَوَّنَةِ كَدُسْتُورِ الدَّولةِ البُولِيسِيَّةِ / سَوْفَ تَنْسَى النِّساءُ دُمُوعَهُنَّ في قَانونِ القَبيلةِ / دِمَائي سَاخنةٌ كالبِيتزا في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / لَكِنَّ الطائراتِ قَصَفَتْ ذِكرياتِ العُشَّاقِ / وَمَاتتْ وُجُوهُهُم في الشَّفَقِ البَعِيدِ / وَنَسِيَ المساءُ طَلْقَةَ المُسَدَّسِ في المَزهرِيَّةِ الوَحيدةِ / ومَعِدَتي مُبَلَّطَةٌ بالدَّمْعِ الأخضرِ /

     قَلْبي يَخُونُ رِئتي اليُمْنَى مَعَ اليُسْرَى/ وأنا الفَأرُ الرَّاكِضُ في مَتَاهَةِ شَرَاييني / لا ضَوْءٌ في آخِرِ النَّفَقِ ولا نَفَقٌ/ البَدْوُ الرُّحَّلُ يُعَلِّمُونَ الأغنامَ الدِّيمقراطيةَ / والدُّودُ الذي يَأكُلُ جُثتي / يُعَلِّمُ ابنةَ حَفَّارِ القُبورِ الرُّومَانسِيَّةَ/ سَيُحْرِقُ المطرُ أخشابَ البيانو/ فيا أيُّها الجرادُ الذي يُزَيِّنُ أوعيتي الدَّمويةَ/ إنَّ الدُّودَ يَأكلُ جُثتي / وتُزْهِرُ عِظَامي في رَبيعِ الدِّماءِ /

     سَأكُونُ رُومانسِيًّا عِندَما يُفْلِتُ الفأرُ مِنَ المِصْيَدةِ/البَعُوضُ يُزَيِّنُ حَنْجَرتي المَعدِنيةَ / والطحالبُ تُزَيِّنُ حِيطانَ زِنزانتي / ودُموعي البَرَّاقَةُ هِيَ نافذةُ السِّجْنِ التي تُطِلُّ على البَحْرِ المشلولِ / أرْعَى الأغنامَ في أوْعِيتي الدَّمويةِ / أُمِّي مَاتَتْ / وبَيْتُنا مَهْدُومٌ / وأنا أنشُرُ الغسيلَ على حِبَالِ المشانِقِ /

     أجْلِسُ عَلى شَاطِئِ دِمائي/ أنتظِرُ القَرَاصِنَةَ كَي نَشْرَبَ الشَّايَ بالنَّعناعِ/ ونَهْدِمَ القُصُورَ الرَّمْلِيَّةَ مِثْلَ الأطفالِ الذينَ دَفَنُوا أُمَّهَاتِهِم في الصَّباحِ / ثُمَّ مَاتُوا عَلى أراجيحِ القَمَرِ في المساءِ / كُنْ يَا دَمِي بَحْرًا أو نَهْرًا / واكْسِرْ قِنَاعَ الضَّحِيَّةِ / لَن تَرى الشَّمْسُ دُمُوعِي / وَلَن يَسْمَعَ القَمَرُ صُرَاخِي/ إنَّ قَلْبِي هُوَ القَاتِلُ والمقتولُ/ أنا والنَّهْرُ المنبوذُ مَنْفِيَّانِ في تاريخِ الغَيْمِ/ غَرِيبَانِ في جُغرافيا الرَّصَاصِ المَطَّاطِيِّ / نَجْلِسُ أمامَ البَحْرِ / ونَنتظِرُ المَوْتَ الآتِي مِن رَايات القَبائلِ أوْ رَاياتِ القَرَاصِنَةِ / لا يَقْدِرُ النَّهْرُ أن يَنْسَى رَائِحَةَ الجُثَثِ المُحْتَرِقَةِ / والرِّمَالُ المُتَحَرِّكَةُ تَجْلِسُ عَلى مَسَامِيرِ نَعْشِي / تَشْرَبُ القَهْوَةَ المُعَطَّرَةَ بالدَّمِ / وأنا السَّرَابُ أنتظِرُ الصَّحْرَاءَ عَشِيقَتي الخائنةَ .