09‏/02‏/2025

بلد الأنوثة المتوحشة

 

بلد الأنوثة المتوحشة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أَكَلَت الحَشَرَاتُ مِزْمَارَ الرَّاعي تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ / وَنَحْنُ سَائِرُونَ إلى الهاويةِ الزُّمُرُّدِيَّةِ / والأطفالُ يَسْحَبُونَ جُثَثَ أُمَّهَاتِهِم عَلى رَصيفِ المِيناءِ / وَمِيضُ البَرْقِ فَوْقَ تِلالِ الجماجِمِ / وَصَوْتُ الرَّصاصِ قُرْبَ جَدائلِ العاصفةِ/ والرَّاهبةُ العَمْيَاءُ سَقَطَ طَقْمُ أسنانِها في رَنينِ الشِّتاءِ البَعيدِ/

     أيُّها الرُّبَّانُ المحكومُ بالغَرَقِ والذِّكرياتِ / أَعْطِني البُوصَلةَ قَبْلَ أن تَموتَ/ كَي أُحَدِّدَ مَوْقِعَ قَبْري بَيْنَ غَابةِ الكَهْرَمانِ والخريفِ البَعيدِ / نَعِيشُ بَيْنَ الحواجِزِ العَسكريةِ وَفِئرانِ السَّفينةِ / نَحْنُ فِئرانُ التَّجَارُبِ / نَسألُ حَفَّارَ القُبورِ/ مَتى نَفِيقُ مِن هَذا الكابوسِ؟/ سَتُصْبِحُ غُرفةُ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ الكَهْربائِيِّ مُتْحَفًا للأغرابِ/وَيُصْبِحُ الكُرْسِيُّ الكَهْرَبائِيُّ عَرْشًا للمَلِكِ المخلوعِ في أرشيفِ الكُوليرا/

     قَبْلِ مَوْتِ أُمَّهَاتِنا / سَنَزْرَعُ النَّعناعَ في مَناديلِ الوَداعِ / وَبَعْدَ مَوْتِ آبائِنا / سَنَزْرَعُ الذِّكرياتِ عَلى سُطوحِ القِطاراتِ / جُثماني حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّركَسِيَّاتِ والبَدَوِيَّاتِ / وَعَلَيَّ أن أصنعَ تاريخَ الهاويةِ الأُرْجُوانِيَّةِ بَيْنَ الأراملِ والمُطَلَّقَاتِ / وَدَاعًا لِكُلِّ النِّساءِ/ قَتَلْنَا الذِّكرياتِ في الخريفِ/ والصَّقيعُ دَفَنَ الحُبَّ في الخنادقِ / دَمي الأخضرُ عَلى الثلجِ الأزرقِ / والأطفالُ يَلْعَبُونَ بالثلجِ بَعْدَ دَفْنِ آبائِهِم في آبارِ القُرى المَنْسِيَّةِ / ضَوْءُ القَمرِ هُوَ الشَّاهِدُ عَلى اغتيالِ الضَّحايا / وحَبَّاتُ التُّفاحِ مُرَقَّمَةٌ كالزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ / والبَحْرُ يَكتبُ قَصائدَ الرِّثاءِ للنِّساءِ المُغْتَصَبَاتِ / والنَّهْرُ اليَتيمُ يَبِيعُ العِلكةَ عَلى إشاراتِ المُرورِ / ويَقِيسُ النَّخَّاسُونَ حَجْمَ صُدُورِ السَّبايا بالأحذيةِ العَسكريةِ / وَالإعصارُ اغْتَصَبَ الذِّئبةَ في بِئْرِ القَرْيةِ المنبوذةِ / وَشَاحِناتُ الخُضَارِ مُعَبَّأةٌ بالإمَاءِ والذِّكرياتِ والانقلاباتِ العَسكريةِ / والعَبيدُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ تَحْتَ ضَوْءِ القَمَرِ /

     غَرِقَت السَّفينةُ / وَصَارَتْ جُلُودُ فِئرانِ السَّفينةِ أعلامًا مُنَكَّسَةً للبَدْوِ الرُّحَّلِ / يُخَزِّنُ شُيُوخُ القَبائلِ النِّفْطَ في حَناجرِ العَصافيرِ/ ويُخَبِّئُ مُلوكُ الطوائفِ الدَّمَ في مَناديل الوَداعِ/ويَختبئُ الملوكُ المخلوعونَ في الملابسِ الدَّاخِلِيَّةِ للسَّبايا / الوَاثقاتِ بِدُستورِ الوَحْدةِ الوَطنيةِ / وَتَتَسَاقَطُ أجنحةُ الجَرَادِ في صَحْنِ السَّلَطَةِ / يَا ضَوْءَ القَمرِ في الخريفِ الرَّصَاصِيِّ / لا تَحْزَنْ عَلَيَّ حِينَ يَنمو النَّعناعُ في شُقوقِ خُدُودي / وَلا تُشْفِقْ عَلَيَّ / حِينَ تَخْرُجُ الكِلابُ البُوليسِيَّةُ مِن ثُقوبِ أظافري /

     لا تَكْرَهِيني أيَّتُها الشَّمْسُ / عِشْتُ تَحْتَ الأرضِ مَعَ جُثةِ أُمِّي / لا تَكْرَهْني أيُّها القَمَرُ / مُتُّ تَحْتَ الأرضِ مَعَ عُكَّازةِ أبي/ مَا فائدةُ أن تُغَنِّيَ طُيورُ البَحْرِ عِندَ نافذةِ السِّجْنِ / وَفِرَاشُ الموْتِ عَلى بَلاطِ زِنزانتي الانفرادِيَّةِ؟.