10‏/03‏/2025

غرفة التعذيب بين المزهريات والمرايا

 

غرفة التعذيب بين المزهريات والمرايا

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

............................

     حَلِيبُ السَّبايا يَغْسِلُ بَلاطَ الزَّنازين / والزُّهورُ البلاستيكِيَّةُ عَلى شَوَاهِدِ القُبورِ النُّحَاسِيَّةِ / رَمَى النَّهْرُ تَوابيتَ العُشَّاقِ في حَاوِيَاتِ القُمامةِ/ وصَارَ رُومانسِيًّا في مُدُنِ المَلاريا/ نَزَعَ المَسَاءُ خَوَاتِمَ الخُطُوبَةِ مِن أصابعِ القَتْلَى / ومَنَادِيلُ الوَدَاعِ مَنْسِيَّةٌ تَحْتَ بَساطيرِ الجُنودِ عَلى رَصيفِ المِيناءِ /

     الرَّاهِبَةُ المَشلولةُ مَصْلُوبةٌ عَلى بُرْجِ الكَنيسةِ / لَكِنَّ الصَّليبَ يَتَأرْجَحُ بَيْنَ ثَدْيَيْهَا المَقْطُوعَيْن / اللذَيْنَ سَرَقَهُمَا صُرَاخُ الثُّلُوجِ / لا صَلِيبَ سِوَى جِلْدِ النَّهْرِ / ومَزْهَرِيَّةُ غُرفةِ الاعترافِ هِيَ الزِّنزانةُ الانفرادِيَّةُ / وَهَاجِسُ المرأةِ الغامضةِ يُلاحِقُنِي في الغُروبِ / وطَيْفُ أُنوثةِ السَّنابلِ في السَّحَرِ صَارَ رَقْمًا عَلى بَابِ زِنزانتي / وأرقامُ السُّجَنَاءِ أهَمُّ مِن أسمائهم / وسَوْفَ أخُونُ رِئتي اليُمنى مَعَ اليُسرى /

     العَنَاكِبُ الذهبيةُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وحَبَّاتُ الكَرَزِ تَنمو في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / أمشي في المساءِ إلى البَحْرِ المقتولِ / بَيْنَ الحواجزِ العَسكرِيَّةِ وقَطَرَاتِ المطرِ/أمشي إلى كُرَيَاتِ دَمي التي تَفْصِلُ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ وجُثمانِ النَّهْرِ / وأركضُ في سُجُونِ قَلْبي / وأعيشُ في زَنازينِ الرُّوحِ / لأكْتَشِفَ الحُزْنَ في لَمَعَانِ عُيونِ الشَّركسياتِ /

     يَبني الأيتامُ القُصورَ الرَّمليةَ بَيْنَ دَقَّاتِ قَلْبي وَضَرَبَاتِ الفأسِ في جَسدِ البَحْرِ / والأيتامُ يَعْرِفُونَ بَعْضَهُم / كما يَعْرِفُ النَّوْرَسُ الغريقُ جِنْسِيَّةَ أعشابِ البَحْرِ / العَاشِقَانِ جَالِسَانِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / ولا يَعْرِفَانِ مَشَاعِرَ الدَّجاجِ عِندَ ذَبْحِهِ /

     الأجفانُ المَعْدِنِيَّةُ للنِّساءِ المَجروحاتِ عاطِفِيًّا / وَرَقَبَةُ النَّهْرِ تَحْتَ المِقْصَلةِ / والطحالبُ الذهبيةُ تنمو في أظَافِرِهِ الصَّدِئَةِ / أكفانُ الجَوَاري مِن فَرْوِ الثعالبِ/ والكِلابُ الضَّالَّةُ تَغسِلُ مَساميرَ النُّعوشِ بِدَمِ الحَيْضِ / أعيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ جُثَثِ النِّساءِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / ودَمِي مُؤرِّخُ هِجرةِ الذُّبَابِ مِن خَشَبَةِ المَسْرَحِ إلى خَشَبَةِ المَذبَحِ / مَساميرُ النُّعُوشِ في صُحونِ المطبخِ /

     سَلامًا أيُّهَا الصَّقْرُ الذي لا يَرى دُمُوعَهُ إلا ضَوْءُ القَمَرِ/ رَحَلَت النِّسَاءُ إلى أعلامِ القَرَاصنةِ قُرْبَ بُكاءِ البَحْرِ/ وتَرَكْنَ دَبابيسَ الذاكرةِ في مَناديلِ الوَدَاعِ / أنا كَاسِرُ الصَّليبِ / أُهَاجِرُ مِنَ الغُروبِ إلى الغُروبِ/ فيا أيَّتُها الرَّاهبةُ المشلولةُ / لا تَكْتُبِي وَصِيَّتَكِ عَلى رُفَاتي الأخضرِ / إنَّ أبراجَ الكنائسِ هِيَ أبراجُ السُّجُونِ في صَحْرَاءِ الدَّمْعِ والياقوتِ/وضَريحي في أجفانِ المساءِ مِنَ الأحجارِ الكريمةِ / أنا البَحَّارُ القَتِيلُ/ وَلَمْ ألْعَبْ بِمَشَاعِرِ فِئرانِ السَّفينةِ/ لأنَّ حُزْنِي فَأرُ تَجَارُب/ لَقَدْ صَدَقْتَ أيُّها السَّرابُ/ سَوْفَ يَنكسِرُ بَرِيقُ عُيونِ النِّساءِ كَمَا تَنكسِرُ الرُّومانسِيَّةُ في صُحُونِ المَطْبَخِ .