11‏/03‏/2025

أمنيتي المستحيلة أن أرى الشركسيات في الأندلس

 

أمنيتي المستحيلة أن أرى الشركسيات في الأندلس

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

...................

     الحُبُّ الضَّائعُ تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ القَتيلةِ / وأحلامُ الطُّفولةِ في مَرافئِ الجِرذان / تُبْحِرُ السُّفُنُ ولا تَعُودُ / تَذْهَبُ أُمِّي إلى المَوْتِ ولا تَعُودُ / يَقِيسُ الليلُ خُدُودَ الشَّركسياتِ بأغاني الرَّحيلِ / وأقِيسُ أظافري باحتضاراتِ الذُّبَابِ / وكُلَّمَا تَفَجَّرَ المساءُ في ثُقوبِ جِلْدي / رَأيتُ وُجوهَ القَتلى عَلى زُجاجِ نافذتي / ولا رِسالةَ في صُندوقِ البَريدِ إلا الصَّدَأ /

     بُكاءُ الأمواجِ في الليالي الكريستالِيَّةِ / يُخَبِّئُ أحزانَ الغاباتِ في لَمَعَانِ عُيُونِ الشَّركسياتِ / والبَيْتُ مَهجورٌ كَدَمْعِ النَّوارسِ/والأكفانُ البَيضاءُ تُغطِّي الأثاثَ المُسْتَعْمَلَ/ شَوارعُ السُّلِّ مُحَاصَرَةٌ بِنِقَاطِ التَّفتيشِ العَسْكَرِيَّةِ / ودَمُ الأطفالِ يَسِيلُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ /

     أركُضُ في أحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ وَرَاءَ طَيْفِ النِّساءِ الغامضاتِ/العائشاتِ في قِطَاراتِ الشَّفَقِ/ المقتولاتِ في غَابَاتِ السَّحَرِ / وَمَن أحَبَّ حُلْمًا عُذِّبَ بِهِ / الطِّفْلُ المنبوذُ يَحْفَظُ جُثمانَ أُمِّهِ في ثلاجةِ المطبخِ / ويُخَبِّئُ الأيتامُ نُعُوشَ آبَائِهِم في الحقائبِ المدرسيةِ/ مَاتت النِّساءُ في الغُروبِ البعيدِ/ وبَقِيَتْ فَساتينُ الأعْرَاسِ عَلى حَبْلِ الغسيلِ/ وَضَاعَتْ مَلاقِطُ الحَوَاجِبِ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ/ وثلاجةُ المطبخِ هِيَ ثلاجةُ المَوْتَى/وصَوْتُ الرَّصاصِ في خُدُودِ الفَرَاشَاتِ/ وآثارُ الرَّصاصِ على نوافذِ غُرفتي/ بَراءةُ الأطفالِ بَيْنَ مَساميرِ النُّعوشِ الصَّدِئَةِ وتُفاحِ المقابرِ الجماعِيَّةِ / لا تَقْلَقْ عَلَيَّ يا أبي / سَوْفَ يُزْهِرُ رُفاتي بَيْنَ أوراقِ الخريفِ بُرتقالًا وذِكْرَيَاتٍ / لا ذَاكِرَةٌ سِوَى مَلاقِطِ الغسيلِ على سُطُوحِ البُيُوتِ المهجورةِ / ولا تابوتٌ سِوَى خَشَبِ الأثاتِ المُسْتَعْمَلِ في المنافي الكِلْسِيَّةِ /

     فِئرانُ التَّجَارُبِ في المقابرِ المَلَكِيَّةِ / وأنا الغريبُ في أدغالِ الغُروبِ / رَأيْتُ انكسارَ الطيورِ الكاسرةِ / وكُلُّ كَاسِرٍ مَكْسُورٌ / رَأيْتُ سُقُوطَ الدُّوَلِ الذابلةِ / وكُلُّ زَهْرِةٍ ذَابِلَةٍ يَقْطِفُها صَوْتُ الأمواجِ/ والأيتامُ يَجْمَعُونَ جَدَائِلَ أُمَّهَاتِهِم في صَناديقِ الأسلحةِ / التي نَسِيَهَا الجُنودُ في مَعركةِ الوَهْمِ / وهَرَبُوا إلى بَرِيقِ الأوسمةِ العسكريةِ في السَّرابِ /

     اعْرِفِي أرشيفَ ذِكرياتي مِنَ الأحزانِ/ التي يُذَوِّبُها المساءُ في لَمَعَانِ عُيُوني/ تُهَاجِرُ أحزانُ النَّهْرِ مِن أجنحةِ النُّسورِ إلى دَمِي الأخضرِ/ كَمَا يُهَاجِرُ الكَرَزُ مِن خُدُودِ الشَّركسياتِ إلى دَمْعِي المالحِ /

    لا تَكْرَهِينِي يا أُمِّي / سَيَنْمُو التُّفَّاحُ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / ويُصْبِحُ جُثماني حَدِيقةً بلا أسوارٍ ولا  ذِكْرَيَاتٍ / مَسَامِيرُ النُّعوشِ صَدِئَةٌ كَصُحُونِ المَطْبَخِ في بَيْتِنا المَهجورِ في الأندَلُسِ / لا تَقْلَقْ يا ضَوْءَ القَمَرِ / إنَّ جَيْشَ البَدْوِ الرُّحَّلِ سَيُحَرِّرُ الأندَلُسَ .