14‏/03‏/2025

عشاء على ضوء الشموع مع جثمان امرأة غامضة

 

عشاء على ضوء الشموع مع جثمان امرأة غامضة

للشاعر / إبراهيم أبو عواد

..........................

     حَيَاةُ المَشنوقِ أطْوَلُ مِن حَياةِ الشَّانِقِ / فَلْيَكُن المَوْجُ حَبْلَ مِشْنَقتي كَي أتَذَكَّرَ حَبْلَ الغسيلِ على سَطْحِ بَيْتِنا المهجورِ / وَشُطآنُ الغُروبِ تَعيشُ مُرَاهَقَتَهَا المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ حِبَالِ المشانقِ وحِبَالِ الغسيلِ / تَنكسِرُ ضَفائرُ البُحَيرةِ تَحْتَ مَلاقِطِ الغسيلِ / كَمَا تَنكسِرُ أُنوثةُ الرِّمالِ بَيْنَ صُحُونِ المطبخِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / والعُشَّاقُ نَسُوا الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ بَيْنَ صَفَّاراتِ الإنذارِ والحواجزِ العسكريةِ/ والمطرُ كَسَرَ القِيثارةَ / وماتَ اللحْنُ تَحْتَ المطرِ / والزَّوابعُ تَبْحَثُ عَن نَعْشِ المُغنِّي /

     وُلِدْنا في لَيْلِ الشِّتاءِ الدَّمَوِيِّ / لَكِنَّنا كِذبَةُ نَيْسَان / كَذَبْنا عَلى جَدائلِ أُمَّهاتِنا / كَذَبْنا عَلى الحُبِّ / وَعَشِقْنا بَناتِ آوَى كَي نُؤرِّخَ لأحلامِ الطُّفولةِ الضَّائعةِ/ أثاثُ المَنَافي يُحَاصِرُ مَوْقَدَةَ الخريفِ في لَيالي التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / وَالبَحْرُ يَغارُ عَلى البُحَيرةِ مِن سَرَطَانِ الثَّدْيِ /

     مَاتتْ ظِلالي في الفَجْرِ الكاذبِ / لَكِنِّي أزرعُ نَعناعَ المقابرِ بَيْنَ الذِّكرياتِ المُوحِشَةِ والأُنُوثةِ المُتَوَحِّشَةِ / وَضَعْنا الجثامينَ النُّحَاسِيَّةَ في الأكياسِ البلاستيكِيَّةِ / وطَيْفُ الشَّركسياتِ يُلْهِمُني ويَذْبَحُني / ضَوْءُ القَمَرِ يَنْسُجُ أكفاني بَيْنَ حَبَّاتِ الكَرَزِ وَحَبَّاتِ اليَاقُوتِ / لا تاريخٌ لأشلائي سِوَى الرَّكْضِ في غَاباتِ القُوقازِ / ولا جُغرافيا لِدُموعي سِوَى السُّقوطِ عَلى أجنحةِ الفَرَاشَاتِ /

     كَسَرَ عَصَا المايسترو حُزْنُ المساءِ/وطُبُولُ الحربِ تُقْرَعُ عَلى مَسْرَحِ الدُّمى/لا يَقِينٌ سِوَى حَبْلِ المِشْنَقةِ الذي يَتَقَمَّصُ حَبْلَ الغسيلِ/ولا شَكٌّ سِوَى خَشَبَةِ الإعدامِ التي تَتَقَمَّصُ خَشَبَةَ المَسْرَحِ/

     تَلْمَعُ أظافري النُّحَاسِيَّةُ في سَرَاديبِ مَحكمةِ التَّفتيشِ / كَمَا تَلْمَعُ أسنانُ النِّساءِ في المقابرِ الجماعِيَّةِ / جُثماني مَنارةٌ عَلى شَاطئِ الوَدَاعِ / تُرْشِدُ طُيُورَ البَحْرِ إلى بُكاءِ البَحْرِ / تَتَوَهَّجُ ضَفائرُ الرَّاهباتِ في أدْيِرَةِ الثلجِ الأخضرِ / وَكُرَيَاتُ دَمِي تَتساقطُ كَحَبَّاتِ المطرِ في الرِّمالِ المُتَحَرِّكَةِ /

     أُفَاوِضُ السَّرابَ عَلى السَّرابِ/ وأركضُ إلى الصَّحراءِ البَعيدةِ/ لَكِنَّ الصَّحراءَ في قَلْبي/ والسَّرابَ بَيْنَ دَمِي والرِّئَتَيْن / أنا وِصَايَةُ الرِّيحِ عَلى النَّهْرِ / وأنا الوَصِيُّ عَلى غُبارِ الشَّوارعِ / أنا الوَصِيُّ والوَصِيَّةُ والوِصَايَةُ / شَجَرُ المقابرِ يَكتبُ وَصِيَّتي / وحَفَّارُ القُبورِ تَرَكَ جُثماني عَلى سُورِ المقبرةِ / وذَهَبَ إلى زَبَدِ البَحْرِ / كَي يَسْتَلِمَ الرَّاتِبَ الشَّهْرِيَّ / سَفِينتي تَغرَقُ / فَكَيْفَ أَعُودُ إلى رَصِيفِ المِيناءِ وَحِضْنِ أُمِّي القتيلةِ ؟/ رَفَعْتُ الرَّايةَ البَيضاءَ عَلى كُرَيَاتِ دَمِي البَيْضَاءِ / والدُّودُ يأكلُ جُثتي الأُرْجُوَانِيَّةَ/ لا تَتَجَسَّسْ عَلَيَّ يَا ضَوْءَ القَمَرِ/ إنَّ دُموعي تَحْفِرُ وِسَادتي في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ/ وكُلَّمَا فَكَّرْتُ بالرُّومانسيةِ / رَأيْتُ مَلَكَ المَوْتِ / وعِندَما أمُوتُ / سَتَمُوتُ أحلامي في صَدْري .