21‏/03‏/2025

امرأة بدوية تظن نفسها شركسية

 

امرأة بدوية تظن نفسها شركسية

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     مَاتت الدَّولةُ / وَبَقِيَتْ مَحكمةُ أَمْنِ الدَّولةِ / والأطفالُ يَلْعَبُونَ كُرَةَ القَدَمِ في أرْوِقَةِ المَحَاكِمِ العَسكريةِ / مَاتت المرأةُ / وَبَقِيَت الذِّكرياتُ تَغسِلُ صُحُونَ المطبخِ في لَيالي الخريفِ / والجيوشُ البَدَوِيَّةُ تَسْتَعِدُّ لِتَحْرِيرِ الأندَلُسِ/والأوسمةُ العَسكريةُ الصَّدِئَةُ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ / والنَّهْرُ الحزينُ نَسِيَ جُثْمَانَ أُمِّهِ في ثَلاجَةِ المَطْبَخِ / والأيتامُ نَسُوا البُوظَةَ في ثَلاجَةِ المَوْتَى /

     أيَّتُها الشَّرْكَسِيَّةُ التي تَمْشِي في غَابَاتِ القُوقازِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الذي سَيَمُوتُ / أحزاني بُحَيْرَةٌ مِنَ الدَّمِ والفِضَّةِ / وَجُمْجُمتي كُرَةُ غُولف / وأنا وَحِيدٌ في أدغالِ دَمعاتي / وَحْدَهُ لَمَعَانُ عُيُونِكِ يُحْيِي قَلْبي المَيْتَ /

     أحلامُ الطُّفولةِ الضَّائعةُ تَتساقطُ في ثُقُوبِ جِلْدي كَقَطَرَاتِ المَطَرِ / والنِّساءُ مُلَوَّثاتٌ بالذِّكرياتِ في مُدُنِ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / انكَسَرَتْ قَارُورةُ العِطْرِ بَيْنَ الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ وَسَقَطَ الكُحْلُ بَيْنَ الكَنائسِ والعَوَانِسِ / ونَسِيَت الرَّاهباتُ حُبُوبَ مَنْعَ الحَمْلِ عَلى مَقَاعِدِ الكَنيسةِ /

     العَناكبُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تُزَيِّنُ أمعاءَ السَّبايا / الثلجُ عَلى أعشابِ المقابرِ / والنَّدى عَلى أغصانِ قَلبي المهجورِ / أرى الشَّرْكَسِيَّاتِ فَأشْعُرُ أنَّنِي أَسْبَحُ في الغُيُومِ / لَكِنَّنِي أركضُ تَحْتَ أشجارِ المقابرِ في السَّحَرِ / وأعيشُ مُرَاهَقَتِي المُتَأخِّرَةَ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ وجَدَائِلِ الغَزَالاتِ المَقصوصةِ /

     أخافُ أن أنام / كُلَّمَا نِمْتُ جِئْتِ كَي تَقْتُلِيني في المَنَام / احتضاري هُوَ المِنْجَلُ المكسورُ / والمطرُ يَسألُ أشلائي عَن مَوْعِدِ الحَصَادِ/والضَّبابُ فَوْقَ أعوادِ المشانِقِ / يُطْلِقُ رَصَاصَةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ / فلا تَلْعَبْ بِمَشَاعِرِ السُّنونو يا حَفَّارَ القُبورِ / سَيَنمو البُرتقالُ في فِرَاشِ المَوْتِ في لَيْلَةٍ خَريفيةٍ بَاردةٍ / سَيَأكُلُ الفُقَرَاءُ نُهُودَ زَوْجَاتِهِم في زَمَنِ المَجَاعَاتِ / والعَبِيدُ يُطْفِئُونَ السَّجَائِرَ في حَلَمَاتِ المَلِكَاتِ / هَلْ يَستطيعُ المَحكومُ بالإعدامِ أن يَكْتُبَ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ؟/ هَلْ يَستطيعُ سَرَطَانُ الثَّدْيِ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ الثَّدْيَيْنِ ؟ / هَلْ يَستطيعُ الخَنْجَرُ المَسمومُ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ ؟ / هَلْ يَستطيعُ اليَتِيمُ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ زَوْجِ أُمِّهِ وعَشِيقِهَا ؟ / هَلْ تَستطيعُ الرَّاهبةُ العَمْيَاءُ أن تُمَيِّزَ بَيْنَ السَّائلِ المَنَوِيِّ وَسَائِلِ الجَلْيِ ؟ / هَلْ يَستطيعُ الصَّليبُ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ أبراجِ الكَنَائِسِ وأبراجِ المُعْتَقَلاتِ ؟ / هَلْ يَستطيعُ السَّجَّانُ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ وَصِيَّةِ المَحكومِ بالإعدامِ وقَصِيدةِ الرِّثَاءِ ؟ / هَلْ يَستطيعُ الطاغيةُ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ قَمِيصِ النَّوْمِ وَقَمِيصِ عُثمان؟/هَلْ يَستطيعُ المَسَاءُ أن يُمَيِّزَ بَيْنَ لَمَعَانِ مَسَامِيرِ نَعْشي ولَمَعَانِ أظافري ؟ .