22‏/03‏/2025

الليل يسمع نبضات قلوب الشركسيات

 

الليل يسمع نبضات قلوب الشركسيات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.....................

     سَفِينتي تَغرَقُ / وجُثتي تَطْفُو عَلى سَطْحِ البَحْرِ / وأسماكُ القِرْشِ تَتَقَاتَلُ عَلى اقتسامِ عِظَامي / مَاتَ الضَّوْءُ في شَراييني النُّحَاسِيَّةِ / وأشلائي هِيَ نباتاتُ الزِّينةِ البلاستيكيةُ / وَبَرِيقُ عُيُونِ الشَّركسياتِ هُوَ ضَوْءُ المَنَارَةِ عَلى شَاطِئِ الرَّحِيلِ /

     الفَرَاشَاتُ تُطَارِدُ خُدُودَ الشَّركسياتِ بَيْنَ نَخِيلِ الغُروبِ / والذِّكرياتُ خَنْجَرٌ يَحْفِرُ اسْمَ الدُّموعِ بَيْنَ الرِّئَتَيْنِ / والعُشَّاقُ كَتَبُوا أرقامَ نُعُوشِهِم عَلى زُجاجِ نافذتي / وغَابُوا بَيْنَ أشجارِ المقابرِ ونَعناعِ الشَّايِ / وتَرَكُوا لِيَ البُكَاءَ في لَيْلِ الشِّتاءِ الطويلِ /

     وَرَّثَنَا آباؤُنا هَزَائِمَهُم / وَرَحَلُوا إلى الذِّكْرَيَاتِ القَاتِلَةِ وَالهُوِيَّاتِ المَقْتُولَةِ / فَكُونِي رَصَاصَةَ الرَّحمةِ في غَابَاتِ قَلْبي / كَي أتَذَكَّرَ ضِحكةَ السَّنابلِ بَيْنَ ضَوْءِ القَمَرِ وَمَسَامِيرِ نَعْشي/ حَرِّرِينِي مِن طَيْفِكِ في المَسَاءِ الشَّتَوِيِّ/ كَي أنامَ بَيْنَ وَصِيَّةِ المحكومِ بالإعدامِ وَصَوْتِ الرَّعْدِ / أنا مُنذُ قُرُونٍ لا أنامُ / فاكْتَشِفِي غُرْبَةَ الدَّمْعِ بَيْنَ شَظَايَا قَلْبي المكسورِ وَفُوَّهَاتِ المَدَافِعِ في الحُروبِ الأهْلِيَّةِ /

     أيُّها الضَّبابُ الذي يَغتَصِبُ أجراسَ الكَنَائِسِ / اكْسِر الصَّليبَ واتْبَعْنِي إلى بَرِيقِ الأمطارِ في الفَجْرِ/ وَخْزُ حَبْلِ المِشْنَقَةِ على الرَّقَبَةِ النَّاعِمَةِ / رَنينُ نَصْلِ المِقْصَلةِ عَلى العُنُقِ الأملسِ / وأنا سَاعِي البَرِيدِ / أنقلُ رَسَائِلَ سَجَّانَتِي إلى النَّهْرِ الحزينِ / لكنَّ أشلائي مَنْثُورَةٌ عَلى نَافِذَةِ سِجْنِي / التي تُطِلُّ عَلى البَحْرِ الدَّمَوِيِّ / تاريخُ أمعائي بِرْمِيلُ نِفْطٍ / وجُغرافيا أوْرِدَتِي رِمَالٌ مُتَحَرِّكَةٌ /

     أيَّتُها الشَّركسيةُ الطاهرةُ كَمِلْحِ الدُّموعِ / ارْكُضِي في غَابَاتِ القُوقازِ / ولا تَمْشِي في جِنَازتي / سَتَمْشِي طُيُورُ البَحْرِ في جِنَازتي / وَمَا زِلْتُ أسْمَعُ دَقَّاتِ الكَعْبِ العَالِي عَلى الرَّصيفِ في ليالي الخريفِ الجارحةِ/وَمَا زِلْتُ أسْمَعُ صُرَاخَ البَحَّارَةِ الغَرْقِى في الليلِ الرَّهِيبِ/

     مُوِقِنٌ أنني سَأمُوتُ / لَكِنِّي أَشُكُّ أنني عِشْتُ / أنا الجُنديُّ المجهولُ في البِلادِ المجهولةِ / جُثتي مَجهولةُ الهُوِيَّة / سَيْفِي مِن خَشَبِ التَّوابيتِ / وحِصَاني مِن خَشَبِ الأثاتِ المُسْتَعْمَلِ /  ونَعْشِي مِن خَشَبِ المطابخِ المهجورةِ/ جَدَائِلُ الأُمَّهَاتِ في صُحُونِ المطبخِ / وَجَثَامِينُ الأطفالِ في ثَلاجَةِ المطبخِ / أبْحَثُ عَن قَشِّ الإسطبلاتِ كَي أنامَ عَلَيْهِ في لَيْلِ المَنَافِي / وَطَني ذِئْبٌ / وأنا الفَريسةُ الكريستالِيَّةُ / عَلَّمَنِي النَّهْرُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ كَي أَحْسُبَ عَدَدَ الرَّصاصاتِ في جَسَدِهِ / أمشي في جِنَازتي وَاثِقًا مِن رَائِحَةِ دَمِي البلاستيكِيِّ / أجْمَعُ أشلائي وَاثِقًا مِن صَدَأ مَسَامِيرِ نَعْشِي / وَأَسْمَعُ دَقَّاتِ الكَعْبِ العالي في جِنَازتي / لَكِنَّ دَقَّاتِ قَلْبِكِ تَحْفِرُ في جِلْدِي خَنَادِقَ وَآبَارًا .