24‏/03‏/2025

مذكرات حارس بوابة المشرحة

 

مذكرات حارس بوابة المشرحة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..................

     كُنْ رَاعِي غَنَمٍ في أدغالِ الكُوليرا / كَي تَحْفَظَ النَّشِيدَ الوَطَنِيَّ للدُّوَيْلاتِ اللقِيطَةِ / فيا حُزْنَ المساء / املأْ فَرَاغِي العاطفيَّ بالكِفَاحِ المُسَلَّحِ / كَي أنسَى وُجُوهَ النَّوَارِسَ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ /

     ماذا فَعَلْتُ لَكَ أيُّها النَّسْرُ الأعمى حتى تَخُونَ وَجْهي وتأكُلَ جِيفتي ؟ / اسْمِي ثَقِيلٌ لا يَحْمِلُهُ إلا البَحْرُ / وأنا الوَارِثُ والمِيرَاثُ / أَرِثُ نَفْسِي بَعْدَ مَوْتِي / وَجَسَدِي مِيرَاثُ الفَرَاشَاتِ السَّجينةِ /

     غَابَ الذينَ أُحِبُّهُم / وَسَوْفَ أمشي في الطريقِ وَحِيدًا / أشجارُ الصَّنَوْبَرِ حَوْلَ أشلائي / وَجَدَائِلُ أُمِّي تَحْرُسُ ذِكْرَيَاتي مِن مِلْحِ الدُّموعِ / وأنا المنبوذُ في الليلِ البَارِدِ / أمُوتُ مُحَاصَرًا بَيْنَ ضَوْءِ القَمَرِ وسُعَالِ أبي /

     الذَّهَبُ عَلى صُدُورِ النِّسَاءِ المُلَوَّثَةِ بالحواجِزِ العَسكرِيَّةِ / وَعُمَّالُ مَنَاجِمِ الذَّهَبِ يَمُوتُونَ مُحَاصَرِينَ تَحْتَ الأرضِ / وَصَوْتُ الأمواجِ يَخِيطُ أكفاني في لَيَالي الخَوْفِ / والفُقَراءُ يَغسِلُونَ التَّوَابِيتَ الزُّجَاجِيَّةَ بِمِلْحِ الدُّموعِ وَصَابُونِ العَرَائِسِ / وَلَيْلَةُ الدُّخلةِ هِيَ لَيْلَةُ دُخُولِنَا إلى القُبورِ / وقَبْرِي بِلا نافذةٍ ولا بَابٍ / لَكِنَّ جُلُودَ الأمواتِ مِنَ الرُّخَامِ أو السِّيراميك /

     أجسادُ النِّساءِ مِنَ البلاستيك/ والنُّهُودُ المسمومةُ مِنَ النُّحَاسِ/ والذِّكرياتُ مِن أوراقِ الخريفِ/ وَأجفانُ النَّهْرِ المَعْدِنِيَّةُ شَاهِدَةٌ عَلى اغتيالي / وَلَمْ تَكُنْ قَارُورَةُ العِطْرِ سِوَى قَارُورَةِ السُّمِّ / والكُحْلُ هُوَ طَرِيقُ الغُزاةِ إلى شُطآنِ الغُروبِ /

     سَلامًا أيُّهَا البَعُوضُ الرُّومَانسِيُّ الذي يَمْتَصُّ دَمِي الكِلْسِيَّ / سَلامًا أيُّهَا الدُّودُ العَاطِفِيُّ الذي يَأكُلُ لَحْمِي الكريستالِيَّ / قُتِلْتُ في مَسَاءٍ خَرِيفِيٍّ غَامِضٍ / لَكِنَّ ضَوْءَ القَمَرِ سَوْفَ يَثْأرُ لِي /  صَنَعْنَا مِن جُلُودِ المُلوكِ حَقَائِبَ مَدْرَسِيَّةً للأيتامِ / والتِّيجَانُ تَسْتَقِرُّ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ /

     رَمَيْتُ دَمعاتي في مَزْهَرِيَّاتِ بَيْتِنا المهجورِ/ وَدَمُ الرِّياحِ عَلى فُرشاةِ أسناني / وأنا ذَاكِرةُ الأغرابِ وذِكْرَيَاتُ الغُرَبَاءِ / أبْحَثُ عَن أشلائي في بَيَاضِ أسنانِ السَّبايا / ونَزِيفِي يَتَفَجَّرُ بَيْنَ بَرِيقِ خُدُودِ القَتْلَى وبَرِيقِ خَنَاجِرِ القَبَائِلِ / أحْفِرُ في ألواحِ صَدْرِي بَاحِثًا عَن مَنْجَمِ الذِّكرياتِ وَجُمْجُمَةِ أبي /

     الإمَاءُ في بَيَادِرِ الجُوعِ يَنْتَظِرْنَ مَوْسِمَ حَصَادِ القُلُوبِ/وَالزَّوَابِعُ تَقْطَعُ نُهُودَهُنَّ بالمَنَاجِلِ/رَايَاتُ القَبَائِلِ مُنَكَّسَةٌ بَيْنَ النَّهْدَيْنِ / والحليبُ يَسِيلُ في بَرَامِيلِ النِّفْطِ / انكَسَرَتْ أُنوثةُ السَّنابلِ في حُقُولِ الجماجِمِ / والخَنْجَرُ المَسمومُ سَقَطَ في عَصِيرِ البُرتقالِ / بَعْدَ رَحِيلِ العُشَّاقِ إلى الشُّموسِ المُنْطَفِئَةِ / ونَسِيَ الحَمَامُ الزَّاجِلُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ عَلى نافذةِ زِنزانتي / وَمَاتَ عَلى صَدْرِ سَجَّاني .