29‏/03‏/2025

مقتل الساحرة في السَّحَر

 

مقتل الساحرة في السَّحَر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.................

     تُحْلَبُ أثداءُ النِّساءِ كأثداءِ الأبقارِ / وَدَمُ الرُّبَّانِ عَلى البُوصلةِ / وإبْرَةُ البُوصلةِ مَغروسةٌ في حَنجرةِ العُصْفُورِ الوَحِيدِ/ وَحْدَهُ حَارِسُ المَنَارِةِ لَن يَرى الضَّوْءَ / وَحْدَهُ حَارِسُ المقبرةِ لَن يَرى القَبْرَ/

     لا تَمُتْ قَبْلَ وَفَاتِكَ / ولا تَقْتُلْ حِكَايَاتِكَ / ولا تَكْسِرْ مَزْهَرِيَّاتِكَ / أنا الجُنديُّ المَنبوذُ /  عُدْتُ مِنَ المعركةِ خَاسِرًا / وَلَمْ أَجِد امرأةً أبكي عَلى صَدْرِها / وَلَمْ أَجِدْ أوسمةً عَسكريةً أبِيعُهَا في المَزَادِ العَلَنِيِّ كَي أُطْعِمَ قِطَطَ الشَّوارعِ / وَلَمْ أَجِدْ بَنَادِقَ صَدِئَةً أبِيعُهَا في السُّوقِ السَّوْدَاءِ كَي أشْتَرِيَ أكْفَانًا بَيْضَاءَ/ السَّرابُ يَبكي عَلى صَدْرِ الصَّحراءِ / والصَّحراءُ تَبكي بَعْدَ إصَابَتِهَا بالزَّهَايمرِ/ وَلَن يُفَرِّقُ سَرَطَانُ الثَّدْيِ بَيْنَ صَدْرِ الرَّاهبةِ وَصَلِيبِهَا / لَن يُفَرِّقَ البَقُّ بَيْنَ أخشابِ نَعْشِي وَبَرَاوِيزِ الصُّوَرِ التَّذكاريةِ / أبْنِي مَمْلَكَتِي الضَّائِعَةَ بَيْنَ عَرْشِي وَنَعْشِي / الذِّكرياتُ تُفَّاحةٌ مِن مِلْحِ الدُّموعِ وَمِلْحِ البَحْرِ / وأنا الطِّفْلُ اليَتِيمُ أركضُ إلى المِلْحِ في خُبْزِ أُمِّي / كَي أهْرُبَ مِنَ خَنْجَرِ الذِّكرياتِ وَتَجَاعِيدِ البُحَيراتِ /

     أصْعَدُ نَحْوَ وَمِيضِ البَرْقِ في صَهِيلِ عِظَامِ الفَرَاشَاتِ / وَرِثْتُ مَجْدَ أعشابِ المقابرِ / وَدَمْعِي المُتَجَمِّدُ هُوَ شَاهِدُ قَبْرٍ بلاستيكيٌّ / الجَثَامِينُ مُحَنَّطَةٌ في أجنحةِ الجَرَادِ / وَبَلاطُ الزِّنزانةِ مُعَقَّمٌ بِمِلْحِ دُمُوعِ السُّجَنَاءِ / ذَهَبْتُ إلى بَرِيقِ الاحتضارِ / وَبَقِيَ الخَنْجَرُ المَسمومُ في صُندوقِ بَرِيدي /

     لا تَكْرَهُوني يا إخْوَتي/ولا تَنْتَظِرُوا مَوْتي/ أنا أُدَمِّرُ نَفْسِي بِنَفْسِي/وأمشي إلى الهاويةِ اللازَوَرْدِيَّةِ / وَنَوَارِسُ البَحْرَ عَلَّمَتْنِي الحِسَابَ كَي يَبْدَأَ العَدُّ التَّنَازُلِيُّ/ أنا جُثةٌ مَجهولةُ الهُوِيَّة / قَضَيْتُ حَياتي في انتظارِ حَفَّارِ القُبورِ / الذي ذَهَبَ لاستلامِ رَاتِبِهِ الشَّهْرِيِّ وَلَمْ يَرْجِعْ / والمطرُ يَدُقُّ المساميرَ الصَّدِئةَ في تَابُوتي المُسْتَوْرَدِ / وتَضَعُ الحَشَرَاتُ بُيُوضَهَا في حَنجرةِ الرِّياحِ /

     السُّنونو في مَمَرَّاتِ الصَّقِيعِ المُعْتِمَةِ / التي تَمْتَدُّ نَحْوَ غُرفةِ الإعدامِ بالكُرْسِيِّ الكَهْرَبَائِيِّ /    أنا البَائِعُ المُتَجَوِّلُ / أحْمِلُ عَارَ التَّارِيخِ عَلى ظَهْرِي / كَي أبِيعَهُ للأغرابِ في أزِقَّةِ الجِرذان / قَلْبي مَاتَ / لَكِنِّي رُومانسِيٌّ بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ / وأكتبُ قَصائدَ الغَزَلِ عَلى سُورِ المقبرةِ /

     مَا أصعبَ أن تَعِيشَ أُنوثةُ السَّنابلِ في حَقْلٍ لَيْسَ فِيهِ سُعَالُ رَجُلٍ / أَكَلَ البَقُّ خَشَبَةَ الصَّليبِ / وانكَسَرَ حُلْمُ الخَلاصِ كَمَا تَنْكَسِرُ ضَفَائِرُ النِّساءِ في مَزْهَرِيَّاتِ غُرفةِ الاعترافِ/والطحالبُ تَغتَصِبُ خُدُودَ المُسْتَنْقَعِ كالمَلاريا/ وَالأمطارُ السَّاخنةُ تَفْتَرِسُ جُثماني الطازَجَ بِدَمٍ بَارِدٍ/ وأنا التَّائِهُ في ذِكْرياتي / أبِيعُ كُرَيَاتِ دَمِي عَلى إشاراتِ المُرُورِ / كَي أشتريَ أشجارَ المقبرةِ مِن حَفَّارِ القُبورِ .