28‏/03‏/2025

مطر الاحتضارات

 

مطر الاحتضارات

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     حَاجِزٌ عَسْكَرِيٌّ بَيْنَ نَهْدَيْكِ أيَّتُها الذُّبَابةُ القَتيلةُ / وَنُهُودُ النِّسَاءِ مُلْقَاةٌ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ / والرَّقيقُ الأبيضُ في السُّوقِ السَّوْدَاءِ / جُثَّةٌ مَجهولةُ الهُوِيَّةِ بَيْنَ الرَّهائنِ والغنائمِ /

     أنا الجُنديُّ المجهولُ في مَمْلَكَةِ فِئْرَانِ التَّجَارُبِ / أنا الغُصْنُ المنبوذُ في شَجَرَةِ الأضرحةِ / وَدُمُوعُ الأراملِ تَتَسَاقَطُ في آبَارِ القُرَى المَنْسِيَّةِ/ وَلَمْ أَكُنْ أتَصَوَّرُ أنَّ كُلَّ هَذِهِ الأحزانِ في قَلْبي/ سَأبِيعُ دُمُوعي في المَزَادِ العَلَنِيِّ / وأشتري أكْفَانًا مُسْتَعْمَلَةً للغريبِ السَّاكِنِ فِيَّ / كُلُّ شَيْءٍ ضَاعَ / وَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ شَيْءٌ نَبْكِي عَلَيْهِ /

     ذَهَبْتُ إلى ضَوْءِ الاحتضارِ في آخِرِ النَّفَقِ / وَبَقِيَ مِلْحُ دُمُوعي في الخنادقِ التي تَقْصِفُهَا الطائراتُ / العُمَّالُ الفُقَرَاءُ في مَنَاجِمِ الذَّهَبِ/ يَمُوتُونَ تَحْتَ الأرضِ مُحَاصَرِينَ / والفَرَاشَةُ تَرْكُضُ إلى انتحارِها / وَبَقِيَ قَمِيصُ النَّوْمِ عَلى فِرَاشِ المَوْتِ / والجُثَثُ المَجهولةُ عَلى الأثاتِ المُسْتَعْمَلِ حَوْلَ مَوْقَدَةِ الشِّتَاءِ الكريستاليِّ /

     الأسلاكُ الشَّائكةُ تَفْصِلُ رُمُوشي عَنِ البَحْرِ / والحواجزُ العَسكريةُ تَفْصِلُ ضَفَائِرَ أُمِّي عَن جُثمانِ أبي / أنا المُغَنِّي المَنْسِيُّ بَيْنَ حُطَامِ السُّفُنِ / صَوْتي مَبْحُوحٌ كأوراقِ الخريفِ / وَثُقُوبُ جِلْدِي مَفتوحةٌ أمامَ فِئرانِ السَّفينةِ/ والمطرُ كَسَرَ قِيثارتي / ومَاتَ النَّهْرُ بَيْنَ عَشِيقَتِهِ وَجِيفَتِهِ /

     سُعَالُ أُمِّي في لَيالي الشِّتاءِ / يَدُلُّ طُيُورَ البَحْرِ عَلى جُثمانِ أبي المُحَنَّطِ في دَمْعِ التُّفَّاحِ / أنا الشَّجرةُ الوَحيدةُ في المقبرةِ الوَرْدِيَّةِ / مَنْفِيٌّ في مَرَايا الصَّهيلِ / مَكْسُورٌ في مَزْهَرِيَّاتِ الهديلِ / تَتَشَمَّسُ أشلائي عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ / وَتَنتظِرُ القَرَاصِنَةَ الرُّومَانسِيِّينَ تَحْتَ شَمْسِ الرَّبيعِ الرَّمَادِيِّ / وَأنتظِرُ البَحَّارَةَ الغَرْقَى كَي نَزْرَعَ الأزهارَ البلاستيكِيَّةَ في تَابُوتِ الرُّبَّانِ /

     وَاثِقًا بِمَصَابِيحِ فِرَاشِ المَوْتِ في قَاعِ المُسْتَنْقَعِ / تَنْهَمِرُ أشِعَّةُ القَمَرِ عَلى ألواحِ نَعْشي / والجُثَثُ المَجهولةُ لا تَزَالُ عَلى الأرصفةِ تَحْتَ المَطَرِ / وَتَنْكَسِرُ قُلُوبُنا في مَسَاءِ الصَّليلِ بَيْنَ أوراقِ الخريفِ / كَمَا يَنْكَسِرُ المِلْحُ في خُبْزِ أُمَّهَاتِنا بَيْنَ جَثَامِينِ الفُقَرَاءِ / أنا السَّجينُ في جَسَدي بِلا سَجَّانٍ ولا رَسَائِل / والعواصفُ تُوَزِّعُ الصَّدَأَ عَلى صُندوقِ بَريدي وَمَسَامِيرِ نَعْشي / والأيتامُ يَبْنُونَ قُصُورَهم الرَّمليةَ بَيْنَ الصَّدَأ والصَّدى/ والمَوْجُ يَهْدِمُ الذِّكرياتِ / ويَغتَصِبُ مَنَادِيلَ الوَدَاعِ / التي نَسِيَتْهَا الفَتَيَاتُ عَلى رَصِيفِ المِيناءِ/ مَاتَ العَازِفُ عَلى شَاطِئِ الرَّحيلِ / وَبَقِيَ الكَمَانُ أمامَ الأمواجِ وَحِيدًا / والرِّيحُ تَرْمِي أثاثَ المَنَافي المُسْتَعْمَلَ في مَوْقَدَةِ المَسَاءِ الشَّتَوِيِّ .