11‏/04‏/2025

لقد عشت تحت الأرض

 

لقد عشت تحت الأرض

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أنا مَيْتٌ مُنْذُ قُرُون / فَكَيْفَ تَقْتُلُوني ؟ / لا تَكْرَهِيني يا أشِعَّةَ الشَّمْسِ / أنا أكْرَهُ نَفْسِي / لا تُدَمِّرْني يا ضَوْءَ القَمَرِ / أنا أُدَمِّرُ نَفْسِي بِنَفْسِي /

     قَطِيعُ الكِلابِ يَتَشَمَّسُ بَيْنَ أكوامِ الجُثَثِ المتروكةِ في الشَّوارعِ/ وأشلائي أُغْنِيَةٌ وَطنيةٌ بَيْنَ الفَرَائِسِ والعَرَائِسِ/ وصُحُونُ المَطْبَخِ المهجورِ هُدْنةٌ بَيْنَ أُمَرَاءِ الطوائفِ وأُمَرَاءِ الحُروبِ /  وَحَلَمَاتُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ تُزَيِّنُ نَصْلَ المِقْصَلةِ كَحَبَّاتِ الكَرَزِ /

     قُتِلْتُ في ظُروفٍ غامضةٍ / وَسُجِّلَت القَضِيَّةُ ضِدَّ مَجهولٍ / عِشْتُ مَجهولًا / وَمُتُّ مَجهولًا / سَلامٌ للأمواتِ الذينَ يُزَيِّنُونَ مَوْتَهُم بِعِظَامِهِم الذهبيةِ/ السَّلامُ عَلى الجُثَثِ ذَاتِ الأسنانِ النُّحَاسِيَّةِ/ إنَّ أمعائي دُسْتُورٌ لِمَملكةِ الوَهْمِ/ التي يَبْنِيهَا شَجَرُ المقابرِ بَيْنَ صَفِيرِ القِطَاراتِ وَصَفَّارَاتِ الإنذارِ /

     لَن يَنْتَصِرَ النَّهْرُ عَلى البُحَيْرَةِ/ لأنَّهُ مَهْزُومٌ مِنَ الدَّاخِلِ/ والشَّفَقُ كَسَرَ قَلْبَ ابنةِ حَارِسِ المقبرةِ/ والشَّظايا تَنَاثَرَتْ بَيْنَ أعشابِ الأضرحةِ / والبَدْوُ الرُّحَّلُ صَارُوا أُمَرَاءَ للمُؤمِنين / ورَاعِي الغَنَمِ صَارَ فَيْلَسُوفًا/ والطاغيةُ صَارَ شَهِيدًا/ وقَاطِعُ الطريقِ صَارَ رَئِيسَ دَوْلَةٍ/ فَابْنِ دَوْلَةَ السَّرابِ بَيْنَ أنقاضِ رِئتي المهجورةِ وأنقاضِ بَيْتِنا المهجورِ /

     أكفاني مِن أجنحةِ الفَرَاشَاتِ / والبَقُّ يَأكُلُ أخشابَ نَعْشِي / سَأمُوتُ في قَلْبِ أُمِّي / وأنبعثُ في الزِّنزانةِ الانفرادِيَّةِ تُفَّاحًا وسَنَابِل / وأشِعَّةُ القَمَرِ تُشَرِّحُ جُثماني لِتَعْرِفَ عِيَارَ رَصَاصَةِ الرَّحمةِ / التي أَطْلَقَهَا عَلَيَّ النَّهْرُ الأعمى / إنَّ وَجْهِي إلى البَحْرِ / لَكِنَّ فِئرانَ السَّفينةِ تأكلُ أشلائي في أزِقَّةِ المِيناءِ / أفتحُ شَوَارِعَ رِئتي أمامَ الغَيْمَاتِ الخضراءِ / لَكِنَّ كُرَيَاتِ دَمِي تَسِيلُ في حُفَرِ المَجَاري في الشَّوارعِ الخَلْفِيَّةِ / وَمِلْحُ دُموعي هُوَ حَاجِزٌ عَسكريٌّ بَيْنَ الشَّركسياتِ والبُوسنيَّاتِ /

     كُنْ دِيمُقْرَاطِيًّا أيُّهَا الحُزْنُ / عِندمَا تَبيعُ الأراملُ الخُضَارَ أمامَ المحاكمِ العَسكريةِ / كُنْ رُومَانسِيًّا أيُّها العُشْبُ/عِندَما يَقْتَرِضُ أبي ثَمَنَ أكفاني / ويَدْفِنُ المطَرُ رُفَاتي في الغُيومِ المُخْمَلِيَّةِ /

     الكِلابُ الضَّالَّةُ تَنْبُشُ القُبُورَ بَحْثًا عَن الجَثَامِينِ الطَّازَجَةِ/ والدُّودُ يَأكُلُ خُدُودَ النِّساءِ الطَّرِيَّةَ/ وَحَبْلُ المِشْنَقَةِ يَلْتَفُّ حَوْلَ عُنُقِ البُحَيْرَةِ النَّاعِمِ /

     جُثماني مَنْسِيٌّ عَلى الرَّصيفِ / تَحْتَ الأمطارِ في لَيْلِ الخريفِ / وغَابَةُ القُلوبِ المكسورةِ / تَحْتَ أشِعَّةِ القَمَرِ الجارحةِ / لا تاريخٌ لِجَوَارِحِنَا سِوَى جِيَفِ الطُّيورِ الجارحةِ / ولا جُغرافيا للزَّوبعةِ سِوَى مِطْرَقَةِ التَّوابيتِ الزُّجاجيةِ .