10‏/04‏/2025

في يوم نحس مستمر

 

في يوم نحس مستمر

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     لا تَزَالُ في أُذُنِي دَقَّاتُ الكَعْبِ العَالِي عَلى الرَّصِيفِ/في تِلْكَ الليلةِ الخريفِيَّةِ الباردةِ/ فَلا تَقْتُلِيني أيَّتُها اللبُؤةُ الغامضةُ بِلا مَوْعِدٍ ولا ذِكرياتٍ/ إنَّ أُمِّي تَنْتَظِرُ أن أَعُودَ إلَيْهَا في قَلْبِ الليلِ الرَّهِيبِ / أنا الرُّبَّانُ المنبوذُ / أحْمِلُ جِنْسِيَّةَ الشَّفَقِ / وتاريخي تَكْتُبُهُ فِئرانُ السَّفينةِ/ والبَحَّارَةُ ذَهَبُوا مَعَ عَشِيقَاتِهِم إلى فِرَاشِ المَوْتِ / وَبَقِيَتْ الرَّسائلُ الغَرَامِيَّةُ في قَاعِ البَحْرِ / وبَقِيَ الشَّايُ الباردُ عَلى ألواحِ التَّوابيتِ / التي نَثَرَهَا المَوْجُ في أزِقَّةِ المَرْفَأ المُعْتِمَةِ /

     البَحْرُ مُصَابٌ بالزَّهايمر / لَكِنَّهُ لَمْ يَنْسَ أن يُغْرِقَنِي / البُحَيْرَةُ مُصَابَةٌ بِسَرَطَانِ الثَّدْيِ / لَكِنَّهَا أَمَرَتْنِي أن أبكيَ عَلى صَدْرِهَا / أَكْمَلْتُ أُسْطُورَتي في اللامَكَانِ / وأَنْهَيْتُ رِسَالَتي في اللازَمَانِ /  وَلَمْ يَعُدْ أمَامِي إلا الاحتضار / لَن تَكْتَمِلَ مُغَامَرَتي إلا بِالمَوْتِ / الذي يُحَنِّطُ الحِبْرَ في شَرَاييني / ويُخَلِّدُني / ويُكْمِلُ دَائِرَةَ الذِّكرياتِ / إنَّ المَوْتَ هُوَ حَيَاتي الجديدةُ / وأنا حُزْنُ المَرَافئِ القَدِيمُ /

     أشِعَّةُ القَمَرِ تُطَهِّرُ أوعيتي الدَّمويةَ مِنَ الطحالبِ والمقاصلِ/وتَنْمُو السَّنابلُ عَلى حَبْلِ مِشْنَقتي / ويَزْرَعُ سَجَّاني لَوْنَ البَحْرِ في دَمِي الأخضرِ/ وابتسامةُ النَّهْرِ الغامضةُ تَحْصُدُ قُضبانَ زِنزانتي / أسْمَعُ صَدَى نِعَالِ النَّخَّاسِينَ بَيْنَ نُهُودِ السَّبايا المَحْقُونةِ بالانقلاباتِ العسكريةِ / والرِّيحُ القِرْمِزِيَّةُ تَسْمَعُ قَرْقَعَةَ عِظَامِ الأمواتِ / في حَدِيقَةِ النُّعوشِ النُّحاسيةِ /

     لا تَفْتَخِرِي بِحَجْمِ ثَدْيَيْكِ يَا ابنةَ حَفَّارِ القُبُورِ / إنَّ سَرَطَانَ الثَّدْيِ مِثْلُ دُودِ المقابرِ / لا يُفَرِّقُ بَيْنَ قُمْصَانِ النَّوْمِ وَثِيَابِ الحِدَادِ / جُثمانُ التُّفاحِ مَحْفُوظٌ في صُندوقِ البَرِيدِ / والحَمَامُ الزَّاجِلُ أُصِيبَ بالزَّهايمر / وأضاعَ رَسائلَ العُشَّاقِ / عَرَقُ النِّسَاءِ المُغتَصَبَاتِ يُزَيِّنُ أعلامَ القَبائلِ المُنَكَّسَةَ / وَحَرْبُ شَوَارِعَ في مَدينةِ الأشباحِ/ وانتشارُ الجُثَثِ في الشَّوارعِ/ بَيْنَ القِطَطِ الضَّالَّةِ والكِلابِ البُولِيسِيَّةِ/ والخَدَمُ يُضَاجِعُونَ المَلِكَاتِ عَلى وَقْعِ النَّشِيدِ الوَطَنِيِّ/ بَعْدَ مَوْتِ الوَطَنِ وَسُقُوطِ الدَّولةِ / ضَاعَتْ قَارُورةُ العِطْرِ في المَزْبَلَةِ / والأغاني الوَطنيةُ كَانَتْ تاريخًا للمَهْزَلَةِ /

     طُيُورُ البَحْرِ نَسِيَتْ عِظَامَهَا في الشَّفَقِ/ وَسَاعِي البَرِيدِ رَمَى الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ في حَنجرةِ البَحْرِ / أُنَقِّبُ عَن كُحْلِ الصَّبايا في تُرابِ المقابرِ / فما فائدةُ أن يَكُونَ قَلْبي تُفاحةً بَيْنَ شَوَاهِدِ القُبورِ ؟  /  ما فائدةُ أن أكُونَ وَرْدَةً صِنَاعِيَّةً بَيْنَ الأضرحةِ الرُّخَامِيَّةِ ؟ / جُثماني مَنْسِيٌّ تَحْتَ الأمطارِ الوَرْدِيَّةِ / ودُمُوعي تَتَجَمَّدُ في الليلِ تَحْتَ لَمَعَانِ البَارُودِ / سَيَجْمَعُ حَفَّارُ القُبورِ الأزهارَ البلاستيكِيَّةَ في المقبرةِ / وَيَبِيعُهَا عَلى إشاراتِ المُرُورِ / كَي يَشْتَرِيَ طَعَامًا لأطفالِهِ الجِيَاعِ .