06‏/04‏/2025

غربة الفراشات بين أوراق الخريف

 

غربة الفراشات بين أوراق الخريف

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

     أكتبُ جَدْوَلَ الضَّرْبِ عَلى حَدِيدِ نافذةِ سِجْني / كَي أعْرِفَ أرقامَ الزَّنازين / وَأحْسُبَ عَدَدَ الجُثَثِ المَجهولةِ / والزَّوابعُ الأُرْجُوَانِيَّةُ تَنْشُرُ الحواجزَ العَسكريةَ بَيْنَ الحُبِّ الأوَّلِ المَنْسِيِّ وأحلامِ الطُّفولةِ الضائعةِ / والخَنْجَرُ المَسمومُ بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / فَكَيْفَ أُقَبِّلُ جَثَامِينَ الأطفالِ عَلى خَشَبَةِ الإعدامِ ؟ /

     النِّساءُ كَثيراتٌ كَحِبَالِ المشانقِ/ لَكِنَّ القَلْبَ وَاحِدٌ كَنَصْلِ المِقْصَلَةِ / فَاخْتَرْ شَاهِدَ قَبْرِكَ /  لأنَّ حَفَّارَ القُبورِ سَيَخْتَارُ مَوْقِعَ قَبْرِكَ/ واخْتَرْ قُمَاشَ أكْفَانِكَ/ لأنَّ الدُّودَ سَيَخْتَارُ خَارِطَةَ لَحْمِكَ / وَدَع المَوْتَ يَجِدْكَ حَيًّا / ولا حَياةَ للسَّرابِ إلا في الصَّحراءِ /

     ما فائدةُ أطفالِ الأنابيبِ إذا كانَ الشَّعْبُ يَعِيشُ كالجِرْذَانِ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحِّيِّ ؟  /    يا أيُّهَا النَّهْرُ المَشلولُ / لا تَرْضَعْ مِنَ البُحَيرةِ العَمْياءِ حتى تأخُذَ بِثَأرِها / رَفَعْنا الرَّايةَ البَيضاءَ في سُوقِ الحضارةِ السَّوداءِ / وَرَمَيْنا الأوسمةَ العَسكريةَ في حَاويةِ القُمامةِ /

     كُرَيَاتُ دَمي مَصابيحُ مُعَلَّقَةٌ في سَقْفِ زِنزانتي / وَعِظامي مَنثورةٌ في شَارِعِ الذِّكرياتِ الذي يَحْمِلُ اسْمِي / أُذَوِّبُ جَمَاجِمَ النِّسَاءِ في الشَّايِ الأخضرِ / كَي يَشْرَبَهُ دَمِي الأحمرُ / وترتاحَ أعصابي الأُرْجُوَانِيَّةُ / كَيْفَ أضْحَكُ وجَدَائِلُ النِّساءِ المقتولاتِ عَلى زُجاجِ نافذتي ؟/ كَيْفَ أنامُ وَصُرَاخُ البَحَّارَةِ الغَرْقَى في ثُقُوبِ جِلْدِي ؟ / كَيْفَ أُغَنِّي وآثارُ الرَّصاصِ عَلى حِيطانِ غُرفتي ؟ /

     قَلْبي مَات / لَكِنِّي رُومانسِيٌّ كَحَفَّارِ القُبورِ / أركضُ في شَوارعِ الليلِ وَحِيدًا / أُطَارِدُ أحلامَ الطُّفولةِ الضَّائعةَ التي تُطَارِدُني / وَأُطْلِقُ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ التي لا تَرْحَمُ / لَكِنَّ ضَوْءَ القَمَرِ يَكْسِرُ مَسَامِيرَ نَعْشِي/ والزَّوابعُ تُحْرِقُ أكفاني/ لَن أمُوتَ عَارِيًا/ خُدُودُ أُمِّي هِيَ نَعْشِي / وَضَفَائِرُ الغَيْمَاتِ هِيَ أكفاني /

     شَظَايَا العِشْقِ القَاتِلِ تَتساقطُ في رِئتي كَقَطَرَاتِ المَطَرِ / أنا القَنَّاصُ الذي يُطْلِقُ الرَّصَاصَ عَلى الجِرذانِ الكريستالِيَّةِ / التي تَرْكُضُ في أوعيتي الدَّمويةِ / وَبَرِيقُ أظافرِ البَحَّارَةِ الغَرْقَى يُضِيءُ طَرِيقَ الأسماكِ في حُطَامِ السُّفُنِ / فيا أيَّتُها البُحَيْرَةُ اللازَوَرْدِيَّةُ التي تَعْشَقُنِي وَتَخُونُنِي/ اكْتُبِي رَقْمَ زِنزانتي عَلى كَبْسُولَةِ السِّيَانَيْدِ/ التي سَيَبْلَعُهَا النَّوْرَسُ الأخيرُ في المساءِ القِرْمِزِيِّ/ ذَهَبْتُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ/ وَذَهَبَتْ بَنَاتُ آوَى إلى فِرَاشِ الزَّوْجِيَّةِ/ هَاجَرْتُ مِن دِمَائي اللزِجَةِ/ وَبَقِيَ المُسَدَّسُ تَحْتَ الوِسَادَةِ/ سَافَرْتُ في أشلاءِ القَتْلَى / وَبَقِيَ الخَنْجَرُ في صُنْدُوقِ البَرِيدِ .