07‏/04‏/2025

عندما أموت ستحبونني

عندما أموت ستحبونني

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.......................

     يَنْتَظِرُني مُسْتَقْبَلٌ مُشْرِقٌ بَيْنَ التَّطهيرِ العِرْقِيِّ والمقابرِ الجمَاعِيَّةِ/ عِشْتُ في مَرْفَأ السَّرَابِ وَحِيدًا / لَم يَعْرِفْ وَجْهِي غَيْرُ البَحْرِ اليَتِيمِ / وَلَم يُحِبَّني غَيْرُ القِطَطِ المُشَرَّدَةِ / لا تاريخٌ لِمِلْحِ دُمُوعي سِوى الأعلامِ المُنَكَّسَةِ / ولا جُغرافيا لِهَيْكَلِي العَظْمِيِّ سِوَى أزِقَّةِ الجَرَادِ / وَعِندَما أَمُوتُ سَتُحِبُّونني/ تُلاحِقُونَ طَيْفِي بَيْنَ أشجارِ الصَّنَوْبَرِ في لَيْلِ الأضرحةِ الأُرْجُوَانِيَّةِ /

     سَامِحُونِي أيُّها الأطفالُ الذينَ يَبِيعُونَ العِلْكَةَ عَلى إشَارَاتِ المُرُورِ / نَسِيتُ البُوظَةَ في ثَلاجَةِ الجُثَثِ / أتَبَادَلُ الرَّسَائِلَ الغَرَامِيَّةَ مَعَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ / وأجنحةُ الحَشَرَاتِ بُوصَلَةٌ تُرْشِدُ طُيُورَ البَحْرِ إلى مَوْقِعِ قَبْرِي في غَابَاتِ المَطَرِ الوَرْدِيِّ / الأعاصيرُ سَتُطْلِقُ اسْمِي عَلى رَصِيفِ المِيناءِ بَعْدَ اغتيالي / خَدَعَنِي البَحْرُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الأمواجَ / خَانَتْنِي الرِّمَالُ / لَكِنِّي أعْشَقُ الصَّحْرَاءَ /

    لا تَضْغَطْ عَلى أعصابي يا دِفْءَ فِرَاشِ المَوْتِ / الجَمَاجِمُ مُعَلَّقةٌ عَلى حَبْلِ الغَسِيلِ / لا تُحْرِقْ ذِكرياتي يَا مَطَرَ الوَدَاعِ / جَدَائِلُ النِّسَاءِ تَحْتَ بَسَاطِيرِ الجُنودِ /

     لَن يَعِيشَ الذِّئبُ في المُسْتَنْقَعِ / الرِّيحُ تُبَلِّطُ البَحْرَ بِرُخَامِ المقابرِ / لَن يَعِيشَ الصَّقْرُ تَحْتَ الأرضِ/ الأمواتُ يُنَقِّبُونَ عَن الذَّهَبِ في مَنَاجِمِ الاحتضارِ / وأنا المنبوذُ / أُفَتِّشُ عَن عُكَّازِ أبي تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / وأُفَتِّشُ عَن كُحْلِ أُمِّي في بِئْرِ الجُثَثِ /

     سَيَذهَبُ العَاشِقَانِ إلى فِرَاشِ الزَّوجيةِ في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وأذهبُ إلى فِرَاشِ المَوْتِ في لَيْلَةٍ خريفيةٍ باردةٍ / فيا أيَّتُها العاصفةُ المُخْمَلِيَّةُ / خُذي لِي صُورةً تَذكاريةً وأنا عِلى فِرَاشِ المَوْتِ/ إنَّ احتضاري طَابَعُ بَرِيدٍ تَذكَارِيٌّ / يَلْتَهِمُ البَقُّ بَرَاوِيزَ الذاكرةِ / وتأكلُ الدِّيدانُ لَحْمي الطازَجَ /

     مَصِيرُ الفَراشةِ كَمَصِيرِ الدَّجاجةِ المذبوحةِ في مَطْعَمِ الوَجَبَاتِ السَّريعةِ / الذي هَجَرَهُ العُشَّاقُ / وَذَهَبُوا إلى المَوْتِ البَطِيءِ / الحُزْنُ في شَظَايَا قَلْبي كَالْمِلْحِ في دَمْعِ عَيْنَيْكِ/ دِفْءُ فِرَاشِ المَوْتِ في ليالي الشِّتاءِ الطويلةِ / وَسُخُونَةُ دَمْعِ العُشَّاقِ عِنْدَ الغُروبِ/ لَحْمي رُخامٌ مُسْتَوْرَدٌ لِتُرَابِ المقابرِ/والزَّوابعُ تُبَلِّطُ حَنجرتي بأجنحةِ الحَشَرَاتِ/ فَابْحَثْ عَن امرأةٍ في حُطَامِ قَلْبِكَ / تَبْكي عَلَيْكَ بَعْدَ مَوْتِكَ / واشْكُر المَوْتَى الذينَ زَيَّنُوا شَوَاهِدَ قُبُورِهِم قَبْلَ مَوْتِهِم / إنَّ دَمَ البَحَّارَةِ الغَرْقى يَتَوَهَّجُ / كَمَا يَتَوَهَّجُ المِلْحُ في دُمُوعِ فِئْرَانِ التَّجَارُبِ /

     أخي ضَوْءَ القَمَرِ / انْزِعْ حُبَّ الشَّركسياتِ مِن شَظَايا قَلْبي / كَي أقْدِرَ أن أنامَ / أنا مُنْذُ قُرُونٍ لا أقْدِرُ أن أنام / أحْتَرِقُ في الدُّنيا / فلا تُحْرِقْني يا إلَهِي في الآخِرَةِ / لا تَجْمَعْ عَلَيَّ حَرِيقَيْن .