09‏/04‏/2025

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

 

الطريق إلى المقبرة في ليل الشتاء

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

......................

    ذَهَبَ أبي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ عُكَّازَتُهُ تَحْتَ أنقاضِ بَيْتِنا / ذَهَبَتْ أُمِّي إلى المَوْتِ / وَبَقِيَتْ ضَفَائِرُها في صُحُونِ المَطْبَخِ / ذَهَبَتْ بَنَاتُ حَفَّارِ القُبُورِ في رِحْلَةٍ مَدْرَسِيَّةٍ إلى شُمُوسِ الأضرحةِ / وَلَم يَرْجِعْنَ / انكسرَ الصَّوْتُ / وانكسرَ الصَّدى / وأنا التَّائِهُ في شَراييني / أبني مَرْفَأَ الدَّمْعِ بَيْنَ الذِّكرياتِ والحَشَرَاتِ /

     الأزهارُ البلاستيكِيَّةُ عَلى قُبُورِ الجِيَاعِ / ثَمَنُهَا كانَ يَكْفِي لإطْعَامِهِم / جُثَثٌ للبَيْعِ في المَزَادِ العَلَنِيِّ/ كُرَيَاتُ دَمِي البَيْضَاءُ للبَيْعِ في السُّوقِ السَّوداءِ/ أَعْشَقُ البُحَيْرَةَ لَكِنِّي لا أَثِقُ بِهَا/ فيا أشجارَ المقبرةِ / كُونِي أنيقةً مِثْلَ ابنةِ حَفَّارِ القُبُورِ قَبْلَ لَيْلَةِ الدُّخلةِ / بَيْنَ رُخَامِ الأضرحةِ وأثاتِ المَنَافي /  كَيْفَ أهْرُبُ مِن أظافري يا أُمِّي ؟ / إنَّ أشِعَّةَ القَمَرِ تَغْرِسُ الخَنْجَرَ المَسمومَ في أمعائي / كَيْفَ أهْرُبُ مِن جِلْدِي يا أبي ؟/ إنَّ أرقامَ الزَّنازينِ الانفرادِيَّةِ على أوعيتي الدَّمويةِ / وأنا الجُنديُّ الخاسرُ / أهْرُبُ مِن مَعركةِ الذاكرةِ / وأنامُ على الأسلاكِ الشَّائكةِ في أرشيفِ الضَّحايا /

     اغْتَنِمْ فُرْصَةَ مَوْتِكَ بَيْنَ الفَرَائِسِ والرَّهَائِنِ/ العَاصِفَةُ تَدْفِنُ رُفَاتَ النَّهْرِ تَحْتَ الأعلامِ المُنَكَّسَةِ/ وَكُلَّمَا هَجَمَ الليلُ عَلى عِظَامي المنثورةِ في حَدَائِقِ البُكَاءِ / رَأيْتُ حَنَاجِرَ القَتْلَى عَلى حِيطانِ غُرْفَتي/ ضَوْءُ القَمَرِ يُنَظِّفُ هَيْكَلِي العَظْمِيَّ مِن سُعَالِ اللبُؤَاتِ / وَتَتَسَاقَطُ أجنحةُ الحَشَرَاتِ عَلى نَصْلِ مِقْصَلَتِي / سَأصِيرُ رُومَانسِيًّا عِندَما يَسْقُطُ المِكْيَاجُ في حُفَرِ المَجَاري / سَأصِيرُ عَاطِفِيًّا عِندَما يَرْمِي الفَيَضَانُ قُمْصَانَ النَّوْمِ في حَاوِيَاتِ القُمَامَةِ /

     أيَّتُها الأرملةُ الشَّابَّةُ / ادْفِنِي زَوْجَكِ في أوراقِ الخريفِ / وانشُري الغسيلَ على سُورِ المقبرةِ /ضَعِي خُطَّةً عَسكريةً لاصطيادِ العَرِيسِ الجديدِ / سَوْفَ تَصطادُ الفَرِيسَةُ صَيَّادَهَا/ وَتَتَقَمَّصُ الضَّحِيَّةُ جَلَّادَهَا / إنَّ سُورَ المَقبرةِ يَفْصِلُ بَيْنَ مَلاقِطِ الغسيلِ ومَلاقِطِ الحَوَاجِبِ / كَمَا يَفْصِلُ الحاجِزُ العَسْكَرِيُّ بَيْنَ جُثمانِ أبي وَضَجِيجِ البَحْرِ /

     ازْرَعِيني في الغُيومِ أيَّتُها الرَّصاصةُ / سَيَنْمُو التُّفاحُ في شَظَايَا جُمْجُمَتي/احْصُدِيني في الرِّمالُ أيَّتُها الأمواجُ / سَيَنْمُو البُرتقالُ في هَيْكَلي العَظْمِيِّ / أظافِرُ العَبِيدِ مَغرُوسَةٌ في نُهُودِ المَلِكَاتِ بَعْدَ الانقلابِ العَسْكَرِيِّ / والبَحْرُ يُنَظِّمُ حَفْلًا لِتَأبِينِ البُحَيْرَةِ الخائنةِ / والزَّوابعُ تَجْمَعُ الرَّسائلَ الغَرَامِيَّةَ لابنةِ حَفَّارِ القُبورِ في المساءِ الرَّهيبِ / أَكَلَتْ أشِعَّةُ القَمَرِ قُمَاشَ أكفاني / وأنا الآنَ أَمُوتُ عَارِيًا / سَامِحْنِي يا أبي / وَلا تَخْجَلِي مِن جَسَدِي يَا طُيُورَ البَحْرِ .