17‏/07‏/2019

عشب القبور النحاسية / قصيدة

عشب القبور النحاسية / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أنا والزِّلزالُ نَتبادلُ الخِبْراتِ / مَوَاعِيدُ خِتَانِ البُحَيْرةِ / وَصِيَّةُ الدَّيناصورِ بَعْدَ انقراضه / الجرادُ يَرْمي بُرْجَ بِيزا في أرحامِ نِسَاءِ رُوما / تُحْلَبُ أثداءُ النِّساءِ كأثداءِ الأبقارِ/ والجرحى نائمون عَلى رُخامِ الهلْوسةِ / والفِئرانُ تَتشمسُ عَلى حافَّةِ المِقْصلةِ / تَنتظرُ سُوقُ القَتْلى عَريسَها / وأضواءُ الحافلاتِ تُهَيِّجُ كُرياتِ دَمي / وتُغلِّفُها بالقَشِّ المسْمومِ / وَكانت الأرضُ عِظَامي المغسولةَ /
     أيتها المذبحةُ الزُّمرديةُ / أنا فَارسُ أحلامِكِ / فَعَانقيني قَبْلَ قُدومِكِ / أَغرقُ في بَقايايَ / ذَهبت القَبائلُ إِلى الحربِ / وَبَقِيتُ مَعَ السَّبايا / أَقرأُ أشْعارَ الرِّياحِ / وأَبكي عَلى الأندلسِ / أظافرُ الأراملِ مَأتَمٌ مِن الكَهْرمان / جَاءت الفِرْقةُ الموسيقيةُ التَّابعةُ لأطفالِ الشَّوارعِ / ولم تَجِئْ مُوسيقى سُوقِ النِّخاسةِ / أنتظرُ فُرْسانَ الهزيمةِ / وأَقِفُ أمامَ الخشَبةِ التي صُلِبَ عَلَيْها أُستاذي /
     كُرياتُ الدَّمِ البَيضاءُ رَقيقٌ أبيضُ / ذَلِكَ الرَّماديُّ تاجُ الحاكِمةِ / يَشربُ خَريفاً بالنَّعناعِ / حَضارةُ البُكاءِ مَزْهريةُ الموْتى / يَسْكُنونَ بَيْنَ أصابعي / ذَهبت الفَراشةُ إِلى الموْتِ / وَبَقِيَتْ رَائحةُ دُموعِها عَلى الوِسادةِ / كأنَّ أهدابي مُسْتَشْفَى وِلادةٍ لِبَناتِ آوَى / تَكتبني أُغنياتُ المطرِ الحِمْضيِّ / والضَّبابُ يُحاوِلُ التَّخلصَ مِن القَلَقِ / في الليلةِ الأُولى في الزِّنزانةِ الانفراديةِ/ حَبْلُ مِشْنقةٍ وَاحِدٌ يَلْتَفُّ عَلى رَقَبَتَيْن في القُوقازِ/ تِلْكَ الشَّركسيةُ وَدَمْعتي / وَكَانَ أذانُ المغربِ يَنْطَلقُ بَيْنما كُنتُ في ثِيابِ الإِعدامِ / كَمْ وَدِدْتُ لَوْ صَلَّيْتُ المغربَ /
     القَراصنةُ نائمون بَيْنَ السَّنابلِ المضيئةِ / وأحصنةُ الزَّهايمرِ تَجُرُّ ضَفائِرَ الإِماءِ / هذا أوانُ مَقْتلي/ وابتسمت الصَّواعقُ/ تَقتبسُ سِحْنتي مَعْناها مِن الرَّبيعِ المتدفِّقِ في الخريفِ/ أَتركُ قَلْبي عَلى الأوْتادِ / وأَدخلُ إِلى خَيْمتي / سَتَخونُ الصَّحْراءُ رِمالَها / والهِضابُ تستلمُ رَاتِبَها الشَّهريَّ مِن مُغْتَصِبِها / انهارتْ مَعْنوياتُ مِقْصلتي / حِينَ عَلِمَتْ أنَّ الموْجَ شَخْصٌ غَيْرُ مَرْغوبٍ فِيه / أكشاكُ الفُقراءِ سَجينٌ يَخْطُبُ ابنةَ سَجَّانِه/ صُخورُ الشَّاطئِ انتقامُ الفِضَّةِ / فلا تَنتقمْ مِنِّي أيها العِشْقُ / رَمَيْتُ أشلاءَ البُحَيْرةِ في مَعْصَرَةِ الزَّيتونِ / أَخافُ يا أُمِّي أن يَأتِيَ ضَوْءُ النَّهارِ / أَركضُ كُلَّ مَساءٍ في بَقايايَ / وَتَتوهَّجُ جُثتي السَّائرةُ إِلى صَلاةِ الفَجْرِ / رُبَّما أَلتقي مَعَ وَجْهي خَارِجَ نُفُوذِ المرايا /
     سَتَبْقى مُدُنُ الكُوليرا على عَتَبةِ صَالةِ الرَّقْصِ / تَخْدُشُ تَاجَ ماري أنطوانيت / رَائحةُ عَرَقِ النِّساءِ تملأُ الدَّيْرَ وصَالةَ الرَّقْصِ / جَلادُونَ مُحَنَّطُونَ في لهفةِ عشيقاتهم / حَضارةُ الشَّعْوذةِ مَدْرسةُ بَناتٍ أَو مَعْرَضٌ لأزياءِ القَتيلاتِ / التَّثاؤبُ الأسفلتيُّ / وقَائدُ جُيوشِ الفَراغِ المصابُ بالشُّذوذِ الجِنسيِّ/ يَخافُ الصَّنوبرُ مِن عُزْلةِ اليَاسَمين/ والرأسُ المقْطوعةُ تَجوبُ الصَّحاري / وَتَحْرُسُ الضِّباعُ الذِّكرياتِ / جِلْدُ الشَّوارعِ فِرَاءٌ للأرستقراطياتِ / والمجاعاتُ أطلالُ الفِضَّةِ / مَحَاكمُ التَّفتيشِ تَسْحَقُ رُموشَ الأنهارِ كُحْلاً للعَرائسِ أمامَ الكاهِنِ/ والقُصورُ الرَّمليةُ فَارغةٌ إِلا مِن جُثثِ الأطفالِ / سَوْفَ يَسيلُ الضَّبابُ عَلى الثِّيابِ المجعَّدةِ/ جُروحي أَرَقُ الحجارةِ / وعُروقي تُجَدِّفُ في مَناديلِ الوَداعِ / والأسْفلتُ يُعَلِّمُ الأمطارَ الفَرْقَ بَيْنَ حُبوبِ الهلْوسةِ وحُبوبِ مَنْعِ الحمْلِ / أنا المصْلوبُ عَلى حَنينِ الغاباتِ /
     أَمْهِلْني قَليلاً أيها الجنونُ / كَي أَدرسَ دَوْرَ الزَّوْجاتِ الخائناتِ في الكِفاحِ المسلَّحِ / نلعبُ الغولفَ في حُفَرِ المجاري / تتناولُ الشَّلالاتُ حُبوبَ مَنْعِ الحمْلِ / لكنها سَتَحْبَلُ بِجَنينِ الثورةِ / يُعاني النهرُ مِن وَعْكةٍ صِحِّيةٍ / جِلْدي مَلْهى لَيْليٌّ تَحْتَ شَمْسِ الظهيرةِ/ لَكِنَّ الرَّاقصةَ مَشْلولةٌ / وَعِندما أَموتُ سَوْفَ تَزُورِين قَبْري / سَيُصبحُ خَشبُ تابوتي طَاولةً لِلعُشَّاقِ / في مَطْعَمٍ لِلوَجَباتِ السَّريعةِ / كُرياتُ دَمي البيضاءُ انقلابٌ دَمَوِيٌّ / وَكُرياتُ دَمِي الحمراءُ انقلابٌ أبيضُ / فَتِّتوا عِظامي / وَرُشُّوها عَلى الطريقِ / لإِخفاءِ آثارِ أقدامِ الموْجِ / أنا حَدَّادٌ / لكني أُفَصِّلُ خَشَبَ التَّوابيتِ عَلى مَقاسِ الذِّكرياتِ / سَامحيني أيتها الشَّمْسُ / قَدْ غَابتْ شَمْسي/ تَسيرُ القَوافلُ إلى الرِّمالِ المتحرِّكةِ / والأعرابُ يَلْتَقِطُون الصُّوَرَ التِّذكاريةَ عِندَ الإِبلِ القَتيلةِ / مَاتَ الصَّوْتُ / انتحرَ الصَّدى / الصَّهيلُ رَمْلٌ مُبَلَّلٌ بِدُموعِ الكَاهنةِ / عِشْنا في خِيَامِ السُّلِّ / والسَّجانُ يُفَكِّرُ نِيابةً عَنَّا / يَفْتحون السِّجنَ للشُّموس الحامِضَةِ / بَعْدَ تنظيفه مِن الصَّرخاتِ وآثارِ الدِّماءِ / المشرَّدُونَ يُحَدِّدُونَ أماكنَ التَّسولِ بالأقمارِ الصِّناعيةِ / وَصَفَّاراتُ الإِنذارِ في حَرْبِ دَاحِسٍ والغبراءِ / تُفَصِّلُ الرَّاهبةُ العَمياءُ ثَوْبَ عُرْسِها مِن أجراسِ الكَنيسةِ / لَكِنَّنا سَنُبْعَثُ عُرَاةً / نَشَرْنا الإِناثَ عَلى حِبالِ الغسيلِ/ وَعِظَامي مُبيداتٌ حَشَريةٌ في مُعَسْكَراتِ الاعتقالِ الصَّحراويةِ / يَنتشرُ البُوليسُ السِّياسيُّ في أبجديةِ الشَّجرِ / والأصنامُ تُؤدي التَّحيةَ العَسكريةَ للسَّرابِ/ والشَّعبُ يُباعُ على السَّجادِ الأحمرِ في المطاراتِ / تُزَيِّنُ الحشراتُ خُدودي / كَمَا تُزَيِّنُ التَّوابلُ جُثثَ الإِمَاءِ / يُحَدِّدُ البَعوضُ أسعارَ النِّساءِ حَسَبَ سِعْرِ بِرْميلِ النِّفْطِ/ الآنَ وَلَيْسَ الآنَ/ أَغيبُ في مَداراتِ الزُّرْقةِ/ في عَيْنَيْكِ العارِيَتَيْن مِن الكُحْلِ والأزقةِ / يا مِقْصلتي / أنتِ عَشيقتي المخْلِصةُ حتى الخِيانةِ / تتوهَّجينَ كَقُيودي / كُلما وُلِدْتِ في أهدابي / وُلِدْتُ في دِماءِ القَمرِ / أنتِ المؤنَّثُ خَارِجَ لُغةِ البَصْرِيين والكُوفيين / علاقتنا دمويةٌ كالْحُلْمِ / ولَيْسَت اسْتِنْزافاً / يَا تِلالَ بِلادي / لِماذا عَلَّمْتِ العَصافيرَ قَتْلَ الْحُبِّ ؟ / أيها الكَهْرمانُ الذي لا يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّجانِ والسَّجينِ / طَرَدَني قَلْبي مِن شَرايينِ الزُّمردِ / وَلَمْ يَبْقَ في قُرْطُبةَ سِوَى خِيَامِ الغجرِ /
     أيها الرَّعْدُ / خُذْ عُنوانَ مَجزرتي / اعْشَقْ وُجوهَ المقتولين في شَوارعِ الدِّيمقراطيةِ قُرْبَ جَمعياتِ حُقوقِ الحيوانِ / ولا تَحْزَنْ عَلَيَّ / إِنَّ مِشْنقتي هِيَ الأُنثى الوَحيدةُ التي أُغازِلُها / جَاذبيةُ الموْتِ تَشُدُّني وَتَرُجُّني / أنا والموْتُ عِشْنا مَعَاً عَلى الشَّواطئِ التي تَقْتُلُ وُجُوهَنا/ وَتُقَبِّلُ خُدودَ السَّائحاتِ / الأشجارُ تُؤدِّي التَّحيةَ العَسْكريةَ لِشَوَاهِدِ القُبورِ / هَجَمَ الصَّدى الأخضرُ عَلى الهياكلِ العَظْميةِ / فَقَدَت الحضارةُ غِشاءَ بَكارتها / سَتَضَعُ الزَّوْجاتُ الخائناتُ نَفْسَ العِطْرِ بِلا اتِّفاقٍ مُسْبَقٍ / يُطالِبُ اليَمامُ بِمَشانقَ مِن الألمنيوم / لِحِمايةِ الموْتى مِن الصَّدأ والصَّدى / أُحِبُّ الذِّكرياتِ لكني سَأَقْتُلُها / تَلْمعُ أسنانُ الشَّفقِ البَيضاءُ/ وَقَاتلي يَطْلُبُ مِنِّي أن أُسامِحَه عِندما يَقْتُلُني / هَل سَيَبْكي عَلَيَّ وَشْمُ اللازَوَرْدِ في جَسَدِ الطوفان ؟ / الأطفالُ يَبْكُون / والأمهاتُ مَشْغولاتٌ بِقِراءةِ كُتُبِ الطبخ / إِنني أَموتُ لِيَعيشَ البرقُ في جِلْدي / تنتحرُ أعشابُ المجرَّاتِ / بِدايتي نِهايةُ الفَراشةِ / تتكدسُ أعمدةُ الضَّبابِ في سُعالي / حَتَّى تَصِيرَ مَدينةً أثريةً تَنتظرُ مَن يَكْتَشِفُها /
     أبناءَ جِلْدتي / لا تَبيعوا جِلْدتي بَعْدَ مُرُورِ الموْكِبِ الملكيِّ عَلَيْها / لا تَذبحوني مَرَّتَيْن / أُقْتَلُ في نَشيدِ قَوْسِ قُزَحَ مَنبوذاً / نَقتصدُ في اسْتِهْلاكِ دُموعِنا / لِتَقْليلِ فَاتورةِ وَأْدِ الحضارةِ / تَفتخرُ الصَّحراءُ بِرُجولةِ السَّرابِ / وأَفتخرُ بالحزنِ المشْنوقِ في سَراديبِ المجموعةِ الشَّمْسيةِ / رَمَى الليلُ أجفانَهُ في فُوَّهةِ الزَّهايمر / النُّعوشُ مُرَتَّبةٌ على طَاوِلاتِ المطاعمِ الرُّومانسيةِ / تَشتري المراهِقاتُ ثِيَابَ الحِدَادِ مِن الْمَحَالِّ الأجنبيةِ / وَدَمُ الحيْضِ عَلى الأوسمةِ العَسكريةِ / سَيَأكلُ الدُّودُ الجسَدَ الأبيضَ / وَتُصبحُ التَّنورةُ فَوْقَ الرُّكبةِ أرشيفاً للفَراغِ /
     غِمْدٌ يَبحثُ عَن السَّيْفِ بَيْنَ أنيابِ الشُّموعِ / لم تأخذ الذبابةُ مِن حُلْمها سِوى وَأْدِها / كَانَ عُشْبُ المقابرِ يَكْبُرُ في اللهيبِ/ ويَلعبُ في مَيادينِ المنفى كأطفالِ الغَيْمِ/ تُولَدُ مَواعيدُ الذبحِ في ظَهيرةٍ غامضةٍ / غَلَّفَها زِئبقٌ سَامٌّ يَنسلخُ مِن تاريخِ المرْمَرِ / في ضَريحٍ لا يُعْرَفُ صَاحِبُه / انطفأَ وَهَجُ الرِّمالِ / والمطرُ لا يَلْمَعُ / بَشَرٌ في دُروبِ البُكاءِ / يَتَّحِدُونَ بِصَمْتِ المتاحفِ الشَّمعيةِ / وَضِفافُ قَلْبي بَعيدةٌ كَرُموشِ القَتلى/ الصَّبايا الرَّشيقاتُ يَتَسَاقَطْنَ في أرشيفِ المرفأ كالسُّفنِ الغارقةِ/ أنهارٌ تَخلعُ مَعاطفَها كَما تَخْلعُ الشُّعوبُ مُلُوكَها / ذِكْرياتٌ تُعْلِنُ استقلالَها في عِيدِ احتلالها/ أيتها الأنثى المنذورةُ للوأدِ / المنحوتةُ عَلى مَزْهريةِ طَاوِلةِ القِمارِ / يَعتني العَبيدُ بِكِلابِ بَناتِ القَياصرةِ / يَا قَتيلةً مُمدَّدةً عَلى كُلِّ خِياناتِ الهديلِ / أنتِ وَحْشَةُ الطريقِ / فَاضْحَكْ أيها المنفَى / سَيَكُونُ قَميصُ النَّوْمِ حَسَبَ لَوْنِ الأثاثِ / والبارونةُ تَكتبُ الرَّسائلَ لِعَشيقها / وَزَوْجُها نائمٌ في حِضْنها .