18‏/07‏/2019

سطو مسلح على قلبي / قصيدة

سطو مسلح على قلبي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

................

     أَقتلُ نَفْسي لأُحْيِيَ نَفْسي / رائحةُ ثِيابِ السَّيافين في غُرفة الإِعدامِ بالغازِ / وبَناتُ العائلاتِ الأرستقراطيةِ في المراقِصِ/ يُبَدِّلْنَ أقنعتهنَّ وكِلابَهنَّ وعُشَّاقَهنَّ/ لَيْسَ للضَّبابِ المشْلولِ حَبْلُ غَسيلٍ/ أُصيبَ النهرُ بِسَرطانِ الجِلْدِ/ما فائدةُ الرُّومانسيةِ إذا كانت المرأةُ مِمْسَحةً لِحِذَاءِ زَوْجِها ؟/
     يَتيماً أنتشلُ حَضاراتِ البَرْقوقِ مِن غَيْبوبةِ الرَّصاصِ / يَجُزُّ الضَّوْءُ أجسادَ الصَّبايا في حَظائرِ الخنازيرِ / زُجاجاتُ وِيسكي في الدُّروبِ المسْحوقةِ / كَجِرَارِ الأعرابياتِ الخارجاتِ مِن غُرفِ النَّوْمِ إِلى الفيديو كليب / وَقَتَلةُ الحسَيْن يُعلِّموننا طَريقةَ البُكاءِ على الحسَيْن / استهلاكُ أثداءِ الرَّاقصاتِ العائداتِ مِن ثلاجةِ الموْتى / مُضادَّاتُ الاكتئابِ التي تتناولها الزَّوْجاتُ / اللواتي اكْتَشَفْنَ خِيانةَ أزواجهنَّ / مَا الفرقُ بَيْنَ قُبورِ الملوكِ وقُبورِ اللصوصِ ؟ / وَقْتُ البُرتقالِ يَضيعُ في ضِحْكةِ العَارِ / وَعَصيرُ الليمونِ يُخفي وَراءَ ابتسامته حُقولَ المأساةِ / سَيَموتُ اليَمامُ في مَجَرَّاتِ الرَّمْلِ / كأنني مَمنوعٌ مِن دُخولِ قَلْبي / وَذَلِكَ أنا / أُحِبُّ البُحيرةَ لأنها تُشْبِهُ أُمِّي/ رُوحي مُشقَّقةٌ تَتشبثُ بِأستارِ الكَعْبةِ/ كُلما اقتربتُ مِن جُروحي ابتعدتُ عَن نزيفي / والقَادةُ يَرْفَعون أجسادَ عشيقاتهم رَاياتٍ للدُّولِ اللقيطةِ / هل أَذهبُ إِلى عَظْمي أَم أنتظرُ عَظْمي يأتي إِلَيَّ ؟ / ضَابِطُ مُخَابَراتٍ شَابٌّ يَأخذُ إِجازةً / كَي يَتزوجَ شَريكةَ انتحارِه / أَصعدُ على أنقاضي / وأبتسمُ أمامَ هَلْوستي / لِتَعْرفَ الشَّلالاتُ أنها لم تَهْزِمْني / مِيراثُ اللهيبِ لا يَجِدُ مَن يَأخُذُه / أُحَرِّرُ الفَراشةَ مِن نَفْسِها / وأُحَرِّرُ الموْجَ مِن البَحرِ / جِلْدي الثاني قِلاعٌ في عَرَقِ السَّنابلِ / أنا والحضارةُ انْكَسَرْنا / وَصَعَدْنا مِن انتحارِنا عُرُوسَيْن/ لَسْتُ أبَاً / وَلَيْسَتْ أُمَّاً / الموْتُ عَائِلةُ الزَّنابقِ / والظِّلالُ تُهاجِرُ /
     كَيْفَ سَيَعيشُ الضَّبابُ وَقَدْ فَقَدَ الثِّقةَ بِزَوْجته وَطَبِيبِه النَّفْسِيِّ ؟ / يَزْرَعُنا الليلُ وَيَحْصِدُنا / تُقْتَلُ الأفيالُ مِن أجْلِ العَاجِ / وَأُقْتَلُ مِن أجْلِ الذِّكرياتِ / الجثامينُ أوتارٌ في رَبابةِ السُّيولِ / يُنَقِّبُونَ في حَناجِرِهم عَن بَريقِ السُّيوفِ/ تَهْرُبُ الغاباتُ مِن المعركةِ/ والأوسمةُ مَنْسيةٌ أمامَ مَوْقدةِ الخريفِ / الذِّكرياتُ تُسيطرُ عَلى الفَراغِ / والفَراغُ يُسيطرُ عَلى بَنكرياسِ الأمطارِ / وَحْدَه خَشَبُ التَّوابيتِ سَيَذْكُرُ أُغنياتِ الفَيَضانِ / مَاءٌ يُنَظِّفُ رِجْلَيْهِ بالنارِ / أُنثى تبتسمُ لِذَابِحِها / الجرادُ في المزهرياتِ / وَما زَالتْ أُمِّي تَبحثُ عَن جُثةِ أبي / قُلوبُنا أطلالٌ بِلا شُعراء / صَهيلُ دُموعِنا أفلاكٌ تَدورُ فِينا ونَدورُ فِيها / نَتركُ ضَحِكاتِنا عَلى قِرْميدِ أكواخِنا / وَنَرْحَلُ / نَتركُ جَدائلَ أُمهاتِنا عَلى أوْتادِ خِيامِنا / ونَبكي عَلى سَراييفو /
     أيها الوَطَنُ الضَّائعُ في الجِنازاتِ الْمَهِيبةِ / أيها المطرُ التَّائهُ في ثِيابِ الحِدَادِ الأنيقةِ / كُلُّنا جَالِسُونَ في مَأتمِ العَصافيرِ / أصابعُ الموْجِ مَزَارِعُ الماريجوانا / نَحْرُسُ أهدابَنا لِيَتقاتلَ وَرَثَتُنا على اقْتسامِها / نَحْنُ رَاكِضُونَ في أغاني الجثثِ المتحلِّلةِ / اقْتَطَعْنا الأحجارَ الكريمةَ مِن أعصابِنا / وَبَنَيْنَا لَمعانَ الحزنِ الوَحْشِيَّ / أَرْمي كُرياتِ دَمي في مَلْعَبِ كُرةِ القَدمِ لِتَسْليةِ الأرستقراطياتِ / وَتُجَّارُ الرَّقيقِ الأبيضِ يُزيِّنونَ مكاتبَهم بالعَدساتِ اللاصقةِ /
     إِلى أيْنَ تأخذُ تابوتَ الحمَامةِ أيها السَّرابُ ؟ / سَأُصبحُ مُواطِناً صَالحاً / عِندما تَصيرُ الدَّوْلةُ سُوقَ نِخَاسةٍ / الشَّواطِئُ مُرتعشةٌ لأنَّ الرَّمْلَ مُصابٌ بالباركِنْسون / والقوارِبُ المكسَّرةُ في أدغالِ القلوبِ المكْسورةِ / وَالبَحَّارةُ يَتشمَّسونَ في الهدوءِ الذي يَسْبِقُ الصُّراخَ / تُخَزِّنُ دُودةُ القَزِّ الطباشيرَ في عِظَامِنا / وَنَظَلُّ عُراةً في حَريرِ المذابِحِ / الذابحُ والمذبوحُ يَمْشيان على السَّجادِ الأحمرِ مَعاً / ولا أقواسُ نَصْرٍ فَوْقَ بُكائِنا / ولا صُوَرٌ تِذْكاريةٌ عَلى جُدرانِ المحاكِمِ العَسكريةِ /
     سَأَعْقِدُ مُصالَحةً بَيْنَ الأُمويين والعباسيين في طَريقِ ستالينغراد / رُبَّما تُصبحُ دِمائي مَزْهرياتٍ مُعْفاةً مِن الجماركِ / تِلْكَ الأقفاصُ مَطْليةٌ بِعَرَقِي المقاوِمِ للصدأ / والمخبِرُونَ يُفكِّرونَ في الجِنْسِ / الذي تَطْبُخُه الذُّباباتُ عَلى نَارٍ هادئةٍ / والقُضاةُ يَرْتَدونَ زِيَّاً مُوحَّداً / فَصَّلَهُ رِجالُ المخَابَراتِ / سَيَأكلُ الهلعُ الدِّيدانَ الباحثةَ عَن طُفولتها / ذَهَبَ الذين كَانوا يَبْكُونَ عَلَيَّ / الليالي قَارورةُ السُّمِّ / والصَّبايا يَكْتُبْنَ وَصَايا الانتحارِ عَلى زُجاجةِ العِطْرِ / كُلما أحببتُ مِشْنقةً / أَحببتُ ظِلالي الواضحةَ كَخَريطةِ السُّعالِ / تتزلجُ الأرستقراطياتُ عَلى البَنادقِ الآليةِ/ والصُّراخُ يتزلجُ في قُرْحةِ مَعِدتي / كالمحارِبِين الذين يَكْتبونَ الرَّسائلَ لِزَوْجاتهم / أيها الوَطَنُ الضائعُ بَيْنَ كَبْسولةِ السِّيانيدِ وَمُعادَلاتِ الرِّياضياتِ / لماذا يَبْكي العِنَبُ في مَوَاسِمِ الضَّحِكِ ؟ / الزَّوابعُ تتثاءبُ عَلى حِبَالِ خِيَامِ السَّبايا / ولم يَسْتَقْبِلْني في كُلِّ مَطَاراتِ العالَمِ غَيْرُ صُداعي / الذي يُلَطِّخُ زُجاجَ غُرَفِ الانتظارِ / رَمَيْنا مَشَاعِرَ النِّساءِ عَلى الموكِيتِ الغامِضِ في غُرفةِ التَّوْقيفِ / وَعَقَارِبُ السَّاعةِ سِيَاطٌ تَهوي عَلى أغاني البَدْوِ الرُّحَّلِ / وأنا المنبوذُ / عِشْتُ كَي أُؤرِّخَ للخَرَابِ /
     الحزنُ أكثرُ اللصوصِ أناقةً / جَاءَ مَوْعِدُ الشَّنْقِ / وَلَم يَجِئْ مَوْعِدُ الحصادِ / سأبكي حتى أتلاشى في قَناديلِ العاصفةِ / يُجَامِعُ الرَّمادُ أكفانَهُ / والزَّوابعُ تُكفِّنني بأجفانِ الذاكرةِ / لأني أَعْشَقُكِ يا قُرْطُبة / أَطلبُ مِنكِ أن تَرْحلي عَن رُموشي / تَتوهجُ الرِّيحُ في خَريفِ اللوْزِ/ وَتُولَدُ في بَراميلِ البَارودِ جُسورٌ/ تَنمو عَلَيْها الأشلاءُ القَديمةُ / وَشْمٌ آيِلٌ للذَّوَبانِ في يَدِ المجاعةِ / وَشُموعُ الظهيرةِ تُبَخِّرُ دِماءَ السَّناجبِ المنبوذةِ / أُقْتَلُ عِندَ إِبريقِ الوُضوءِ / وَمَخَدَّتي المقطَّعةُ نَشيدٌ وَطنيٌّ لِقِطَطِ الشَّوارعِ / أنا والحضارةُ ننامُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ مَعَاً / ارتعشتُ كالمرْمَرِ / ازددتُ ثِقَةً بِجُرُوحِ الطوفان / فَقَدْتُ طَعْمَ الشَّاي الأخضرِ في حُمْرةِ دِمَائي / أدغالٌ رُخاميةٌ تَخلو مِن سُكَّانِها الدُّمى / نَجْلِسُ في مَقْهى العَواصِفِ / نَعُدُّ خُطُواتِ قَاتلينا الأنيقين / الليلُ والنَّهارُ مَصْلُوبانِ على ذَرَّاتِ الهيدروجين / وَلَمْ يَعُد التاريخُ سِوَى ضِفْدعةٍ تُخَطِّطُ لانقلابٍ عَسْكريٍّ /
     عِندما يَضيعُ الوَطَنُ والمنفَى مَعاً / أَبني قَصيدةً لأعيشَ فِيها / أجفانُ الصَّحراءِ صَوْلجانٌ لِلْمَلِكِ المخلوعِ / الحضارةُ جُثةٌ هَامِدةٌ / وأنا حَفَّارُ القُبورِ / الزَّنازينُ الإلكترونيةُ / يُحْقَنُ السُّجناءُ بِفَيْروساتِ الحاسوبِ / ويُقتَلونَ بالبَريدِ الإلكترونِيِّ / وَالمغولُ نائمون في أقفاصِنا الصَّدْريةِ / مَزْهريةٌ لأطيافِ الأسرى / والكَرَزُ يَخْدَعُ ظِلالَ رُموشي / سيأتي الهديلُ مِن صَوْتِ الرَّصاصِ / ذِكْرياتي تُلغي ضَحِكاتي / أَستلُّ خُيوطَ الصهيلِ مِن زُجاجِ مَقَاهي المنفَى / إِنها الملاجِئُ / يَسيلُ دَمُ الأنهارِ على العَدَساتِ اللاصقةِ/ والنِّسيانُ مَشْغولٌ / لأنهُ يُرتِّبُ انقلاباً عَسْكرياً ضِدَّ البُحيراتِ / صَارَ السُّعالُ مِنديلاً لِعَرَقِ الغاباتِ / وتِلْكَ أسناني المنشقَّةُ عَن حُكومةِ قَلْبي / كُوخٌ لِصَكِّ العُمْلةِ التي تَحْمِلُ صُورةَ البَحْرِ المقتولِ /
     أنا البَراعِمُ المحتَرِقةُ / لكني أُشْرِقُ في خُدودِ الإعصارِ / نزيفي المعلَّبُ أدغالُ المساءِ الجارحِ / مَرْفأُ الموْتى عَلى أراجيحِ رِمْشي / وَطَابورُ الإِمَاءِ أمامَ نافذةِ الاحتضارِ / قُرْصُ الفلافلِ مُدَوَّرٌ كَوُجوهِ الحزانى / ولم تَسْلَمْ جُثثُ الخادماتِ مِن التَّحرشِ الجِنْسِيِّ / أنا حَبَّةُ الرَّمْلِ المزيَّفةُ / التي تتذكرُ أُنوثةَ الشَّجراتِ في هَواجِسِ اليَاقوتِ / المرايا تَنْزِفُ بُرتقالاً للأغرابِ / وأبجديةُ شَقائقِ النُّعمانِ تَنْزِفُ شَظَايا / دَخلتُ في صُراخِ الحِبْرِ حُلْماً لِلعَاطِلِين عَن العَمَلِ / الشَّوارعُ نائمةٌ في تابوتٍ / تَصعدُ حِجارةُ النَّيازكِ مِن بُلْعومِ لَيْمونةٍ ذَبيحةٍ/ في أعماقِ الغابةِ المختفيةِ بَيْنَ دَمعاتي/ فَيَا أيها الحزنُ الراكضُ في حُقَنِ الجراثيم / أنتَ بَعوضةُ الصَّرْخةِ / أشلائي خَرائطُ مَنقوعةٌ في حَوْضِ الأسماكِ / والغزاةُ مَدَافِعُهم خَرائِطُهم / وتاريخُ ذُبابِ الحضارةِ / أغشيةُ بَكارةٍ متآكلةٌ في أزقةِ الطاعون / تُقيمُ سِلالُ القُمامةِ نِظاماً دِيمقراطياً / لا يَنْقُصُه إِلا شَعْبٌ تافهٌ / وَنَجْماتُ السِّينما عائشاتٌ بَيْنَ الماريجوانا وَدَوْراتِ المِياهِ /
     كُن غَامِضاً كالعُشْبِ الأزرقِ / ولا تَقْلَقْ عَلى جُثماني الْمُلْقَى في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / إِنَّ الحضارةَ مَنْسِيَّةٌ بَيْنَ الأسمنتِ المسلَّحِ والكِفاحِ المسلَّحِ / فَلا تُشْفِقْ عَلَيَّ أيها الوَحْلُ الأُرجوانِيُّ / إِنَّ حَبْلَ مِشْنقتي مِن السِّيراميكِ الفَاخِرِ / وَحِبَالَ خَيْمتي مِن الزَّمهريرِ المعلَّبِ / سَأَحْرِمُ التِّلالَ مِن الميراثِ / تُشْنَقُ الهِضَابُ بالليزرِ / وَتَدخلُ الملِكاتُ في فَتْرةِ الحيْضِ / أُهَرْوِلُ في الصَّوْتِ الموحِشِ الصَّدى المتوحِّشِ / يا أحزاني المصْلوبةَ على أجنحةِ الحمَامِ/لا مَساميرَ في جَسَدِ الحضارةِ/ سِوَى الدَّمعاتِ القُرْمزيةِ/ دَمِي زَيْتُ المصابيحِ / وَكُثبانُ الرَّمْلِ مُتعطِّشةٌ لِدَمْعي/ رَكَضَت الأزقةُ في الاحتضارِ/ وَبَقِيَتْ رَائحةُ القُمامةِ عَلى المرايا / لا تُفكِّري في الخطيئةِ يَا جَارتي الأرمنية / لَقَدْ كَسَرْتُ الصَّليبَ / وَكَسَرْتُ كُرْسِيَّ الاعْترافِ / وَحَرَّرْتُ الصَّدى مِن الصَّدى /
     أيتها الرَّاهبةُ المصْلوبةُ عَلى لَيْمونةٍ أثريةٍ / بَيْنَ العَهْدِ القَديمِ والعَهْدِ الجديدِ / انتهت اللعبةُ / وانكسرَ الصَّوْلجانُ / والجرادُ يُوَقِّعُ عَلى صُكوكِ الغُفرانِ / جاءَ الحزنُ الباهرُ مِن جُفونِ الرِّياحِ / القَناديلُ تَشربُ رَائحةَ الجوَّافةِ في سَقْفِ الزِّنزانةِ / تَسكنُ المراهِقاتُ في الذِّكرياتِ / والمنفَى تُفَّاحةٌ تَحتَ السِّياطِ / تمتطي البَراري قِلادةَ المطرِ / والنباتاتُ البلاستيكيةُ تُزَيِّنُ أسمنتَ السُّجونِ / 
     في ذَلِكَ الشِّتاءِ الفُسْفوريِّ / ضَيَّعْنا جُرْحَنا الأوَّلَ / ولم نَجِدْ حُبَّنا الأوَّلَ / وَجَدْنا قَبْرَنا الأوَّلَ / وأزهارُ الجوعِ تَنْبُتُ عَلى رُموشِ الفَجْرِ / قَد يَرْمي الجنودُ رُتَبَهُم العَسكريةَ في بَراميلِ النِّفطِ / ويُصبحُ البَارودُ قَميصاً لِلْفَيَضانِ العَاري / رُبَّما يأتي عُمَّالُ النَّظافةِ مِن مَملكةِ الجثثِ / ويُكَنِّسُونَ سُعالَ القِطَطِ بَيْنَ أوْردةِ الصَّقيعِ /
     كَفِّنِيني أيتها البُحَيْراتُ بِشَعْرِكِ / مَاتت الحضارةُ في عُلْبةِ السَّرْدين / والتاريخُ لم يَكْتُبْهُ المنتَصِرُونَ ولا المهزومون / انقرضَ التاريخُ في أشلاءِ الزَّيْتونِ / بُرتقالةٌ باكيةٌ عِندَ أساوِرِ البُحيرةِ / والجثامينُ جَوَازُ سَفَرٍ للإِمَاءِ / 
     لِي رِياضياتٌ صَاعِدةٌ مِن أعْوادِ المشانِقِ / لَيْسَ فِيها الخوارِزمي أو فيثاغورس / لِي رِياضياتٌ تَنْبُعُ أرقامُها مِن كُرياتِ دَمِي السَّجينةِ / المرقَّمةِ تَصَاعُدِيَّاً حَسَبَ عَدَدِ الجثثِ / لِي جُغرافيا تُولَدُ تَضاريسُها مِن أجسادِ الجواري في أسْواقِ النِّخاسةِ / لِي آلَةٌ حَاسِبةٌ تُحصِي عَدَدَ مَرَّاتِ بَيْعي في مَمَالِكِ الصَّدأ / لم أَحْضُرْ حَفْلةَ تنصيبي مَلِكَاً عَلى السُّجناءِ المشْنوقين / مَن سَيَطْفُو أوَّلاً عَلى طَاولةِ النَّهرِ / بُقَعُ النِّفْطِ البشريةُ أَم كَستناءِ الظِّلِّ الأسيرِ ؟ / مَن يَتذكرُ ضَوْءَ النِّسيانِ تَحْتَ رُكامِ القلوبِ المهْجورةِ ؟ /
     تتأرجحُ المنافي بَيْنَ العُيونِ العَسَليةِ والمسدَّساتِ / أهدابي فَتَحاتُ التَّهْويةِ في الملاجِئِ / مُدُنٌ تَنتظرُ الكُوليرا في مَحطةِ القِطاراتِ / كُنَّا للمَجَاعَةِ أجنحةً / وَطَنٌ دَخَلَ في السَّرابِ ولم يَخْرُجْ / عُرُوقي مَرَايا تَحْرِقُ أشلائي وَتَعْكِسُ صُداعي/ وَدِماءُ الأرستقراطياتِ على الأحجارِ الكَريمةِ / لِلبَراري قَناديلُ الرِّيحِ في الأُغنياتِ / وجُنونُ الغُبارِ في الأُمْنِيَّاتِ / يَا لَيْلاً مَرَّ عَلى كُلِّ الحواجِزِ الأمنيةِ / ولم يُصَبْ بِطَلْقةٍ أو مَوْجَةٍ / القُرى المدفونةُ تَحتَ أجفاني / والنَّوارِسُ تَغرقُ بَينَ البَحرِ والحزنِ / فَيَا عَصافيرَ الهلَعِ / إِنَّ سُعالي مِثْلُ النَّهْرِ / كِلاهما ضَعيفانِ أمامَ إِغراءِ عُودِ المِشْنقةِ / وَذَلِكَ الضَّوْءُ الغامِضُ هُوَ أنا / أَزرعُ القَمْحَ في حَنْجرةِ الشَّعيرِ / وأَعشقُ الذِّكرياتِ لِكَي أَهربَ مِن وَجْهي /
     عِندما أَنزِلُ إلى مُسْتوى الملوكِ / يُصبحُ الزَّمانُ مَكَاناً للزَّنابقِ المحتَرِقَةِ / شَراييني تَنتقمُ مِن كُرَياتِ دَمِي / والدِّيدانُ تَضعُ بُيُوضَها في هَيْكلي العَظْمِيِّ / يَجْلِسُ الحطابونَ في لَمَعَانِ السَّنابلِ/ التي تُغَطِّي بَقايايَ/ سَأَعُودُ إلى حَبيبتي الرِّياحِ / في مَسَاءٍ يَعْطُسُ كالأحزانِ / وَيَغْسِلُ مَساميرَ نَعْشي بِمَاءِ الزَّهْرِ / وَيَسْحَبُ صُداعي مِن مَناديلِ الوَدَاعِ / بَقَايا العِشْقِ في رُفاتي / زَمَنٌ لِلمَكَانِ الهارِبِ في أَوْعِيتي الدَّمويةِ / أَغلقَ المطرُ إِسْطبلاتِ الذاكرةِ بالشَّمْعِ الأحمرِ / لأنَّ دَمَ الفِضَّةِ أكثرُ صَفاءً مِن دَمْعِ الخيولِ/ حَوَاجِبي سَاعةُ حَائِطٍ في المعركةِ الخاسِرةِ/ والرِّماحُ عَرُوسٌ يَتيمةٌ / فَيَا سَجَّاني القتيلَ / لا تُقارِنْ حُزْنَكَ بِحُزْني / إِنَّ مِشْنقتي مِن الألمنيومِ / وَمِشْنَقَتَكَ مِن الرُّخامِ /
     اترُكْني أَحْرِقْ عِظَامَ البُرتقالِ بِدُموعي / سَأمشي في طَريقِ النَّمْلِ في مَمالِكِ الرَّعْدِ / أظافري خَوْخٌ لَيْسَ للصَّدى / وَلَيْسَ لِي رُموشٌ سِوى غَيْمةٍ / تَجُرُّ قِطَارَ الدَّمْعِ / فَكَيْفَ سَتُوقِّعُ أُمِّي الأُمِّيةُ عَلى أوراقِ استلامِ جُثماني ؟! / أَحْمِلُ في عُروقي دَمَ المجرَّاتِ / وَكِيمياءُ دُموعي تُشْبِهُ فِيزياءَ دُموعِ أَبي / أَموتُ كُلَّ يَوْمٍ / لِكَي تُولَدَ الشَّمْسُ في قَفَصِي الصَّدْرِيِّ / وَبَيْنما كُنتُ عَلى فِرَاشِ الموْتِ / كَانتْ ظِلالي تَلعبُ الشِّطْرنجَ مَعَ الحشَراتِ / أيتها الدَّجاجاتُ التي تَسْحَبُ جَدَائلَ الملِكَاتِ في الليالي الماطِرةِ / عَرَقي آيِلٌ للانفجارِ / والسُّيوفُ تَركضُ وَراءَ أبراجِ عَصيرِ الدَّمِ / حَدائقُ الجماجِمِ بَينَ أصابعِنا / والْحُلْمُ مَمنوعٌ مِن السَّفَرِ في أوْردتي /
     تَحترقُ حَقيبةُ السَّفَرِ بِكُحْلِ البَراري / استقالةُ الضَّبابِ في جَيْبِ مِعْطَفِهِ / فادْفِن الحدائقَ في أزقةِ نعشي / حِينَ تُقَبِّلُ الكُوليرا وَجْهَ الوردةِ/ ارْمِ رُفاتَ الجنودِ في البَحْرِ / سيتذكرُ الذبابُ وُجوهَ الموْتى / والبَحْرُ ذَاكرةُ مَن لا ذَاكرةَ لَهُ / أَنسحبُ مِن حَياةِ المِيناءِ / أَقتربُ مِن حُفرتي / تَهربُ حَياتي مِن حَياتي / والبَرْقوقُ يَمشي إلى الغروبِ / نَسِيَ الجنودُ قُبورَ أطفالِهم عَلى سَلالِمِ الطوفان / والهِضابُ تَختبئُ في تفاحِ الحروبِ / بَنَيْتُ قِلاعاً مِن تصريحاتِ النَّهْرِ / والتَّوابيتُ الخرْساءُ هِيَ أبجديةُ الإِوَزِّ .