19‏/07‏/2019

انقلاب عسكري ضد اكتئابي / قصيدة

انقلاب عسكري ضد اكتئابي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..........

     تَقْطِفُ المقاصِلُ الرُّومانسيةُ بُرتقالاً / لا هُوِيَّةَ لَهُ سِوَى اكتئابي / تُفاحُ المنافي كُوخٌ لِسَبايا طُرْوادة / والأشجارُ تَصطادُ عُيونَ التماسيحِ / في مِياهٍ مُلوَّثةٍ بالجثثِ المتحلِّلةِ / يا وُجُوهَ الغُزاةِ المتكلِّسةَ فَوْقَ الأحجارِ غَيْرِ الكَريمةِ / أبجديةُ المرْعَى تنامُ على أشِعَّةِ القَمرِ الخشبيةِ / وَصَوْتُ البَراري يَغْرَقُ في نَشْوةِ الغَسَقِ / العَصافيرُ تتجمَّدُ في صَقيعِ زَفيري / وُلِدَ العُشْبُ الأحمرُ وفي فَمِهِ مِلْعَقةٌ مِن ذَهَبٍ/ وَوُلِدْتُ وفي فَمِي حَبْلُ مِشْنقةٍ ذَهَبِيٌّ/احتفالاتُ إِعْدامي تتخلَّلُها إعلاناتٌ عَن الشَّاي الأخضرِ / وَاغْتيالي تاريخُ مِيلادي / أَصْرُخُ في شَوارعِ الليلِ / أنا الإلكترونُ الذي تَحَرَّرَ مِن الْمَدَارِ / نَقتلُ الشَّمْسَ في عِظامِنا / ونَنتظرُ شُروقَ الشَّمْسِ /
     سَأبني بَيتاً ولا أَسْكُنُه / يَنفجرُ ضَوْءُ الموْتى في حَبَّاتِ الكَرَزِ / والخيولُ الذبيحةُ عَلى الشِّفاهِ القُرْمزيةِ / تَصْعَدُ إِسْطبلاتُ البُكاءِ مِن الآبارِ الجوْفِيَّةِ / أيها الوَهْمُ الوهَّاجُ / كَم عَدَدُ ضَحَاياكَ ؟ / اكْشِفْ جُنُونَكَ كَي أراكَ / وكانَ دَمي على رأسي طُعْماً لِطُيورِ البَحْرِ/ أُجَرِّدُ ظِلِّي مِن اسْمِهِ/ لأَعْرِفَ وَجْهَ الحمَامةِ في احتضارِ النُّسورِ/ جُرْحي يَزدادُ جَمَالاً في مَعركةِ الهديلِ / والشَّعيرُ النَّابتُ في هَيْكلي العَظْمِيِّ / يَتمرَّدُ عَلى بَيَادِرِ الدِّيناميتِ / مَن يَذْكُرُ الرَّاعي المقْتولَ مَعَ خِرَافِه في حُروبِ القَبائلِ ؟ / أنا والموْجُ قُتِلْنا بَينَ أسماكِ القِرْميدِ / مَاتَ حُزني مَسْموماً / وَسُجِّلَت القَضِيَّةُ ضِدَّ مَجْهولٍ / فيا أيها الوطنُ المجهولُ / كُنْ وَطَناً لِلجُثثِ المجهولةِ / سَيَمْسَحُ الشَّاطِئُ حِذاءَ النَّوْرَسِ المهاجِرِ / عِندما تُصْبِحُ المرأةُ مِمْسَحَةً لِحِذَاءِ زَوْجِها /
     الجروحُ الذهبيةُ تَحتَ مَصابيحِ الدَّمْعِ / رُموشي مِن الزِّنكِ / وأنا تائهٌ في أُغنياتي القَتيلةِ / تاريخُ العَصافيرِ في إِسْطبلِ الأسرى/ التَّبْغُ المهرَّبُ في أوْردةِ الشَّجرِ/ والتَّوابيتُ المهرَّبةُ في صُراخِ الزُّهورِ / حَضارةُ الإبادةِ تتَّكِئُ عَلى قِشْرةِ مَوْزٍ / أُعطي للذُّبابِ قَناديلَ سُعالي / والرَّصيفُ الأعمى يَسْتَعْمِلُ بُندقيتي في قَطْعِ الشَّارعِ/ ضِفْدعةٌ نَسِيَتْ مُزيلَ العَرَقِ/ في الذِّكرياتِ الصَّاعِدةِ إِلى بَرْقُوقِ الصَّلْبِ / سَاعاتُ الانتظارِ الْمُرِّ / قُرْبَ حَوَاجِبِ زَوْجاتِ القادةِ المهزومين / البَارونةُ تُكْمِلُ رَقْصَتَها / وأنا أُكْمِلُ انتحاري تَحتَ ظِلالِ الْخُزامى / نَزيفُ شُعوبٍ أخضرُ / كالقَيْحِ الملوَّنِ في أعصابِ الغريباتِ/ اللواتي يَنْتَظِرْنَ قُدُومَ آبائهنَّ/ مِن الْحُلْمِ المفقودِ بَعدَ الإعصارِ/
     في آخِرِ الصَّيْفِ المجروحِ / ضَيَّعْتُ حُبِّيَ الأوَّلَ / وَتَزَوَّجْتُ انكسارَ اليَمامِ / فَوُلِدْتُ في رَنينِ العاصفةِ / شَراييني مَحْفورةٌ في الخشَبِ / وَنَبَضاتُ قَلْبي تَعتقلُ رَقْمَ هَاتِفِ الحطَبِ / وَتُرْمَى زَوْجاتُ السُّجناءِ في مُسْتَوْدَعَاتِ المِيناءِ/ أَشُدُّ جَدَائِلَ الزَّوْبعةِ بِحِبالٍ مِن رَائحةِ الفِضَّةِ / يَستعيرُ الموْجُ مِمْحاةً مِن تلميذةٍ جَاهِزَةٍ للوَأْدِ / والخريفُ يَرِنُّ في جُرُوحي / تُطَوِّقُ خُلْجانُ الهزيمةِ لَمعانَ عُيونِ الحمَامِ / وَضَوْءُ القَمرِ يَغتصبُ قَشَّ الإسطبلاتِ / سَحَبْتُ كُلَّ رَصيدي مِنَ الأنين / أَلِدُ نَفْسي بِنَفْسي / ولا أُنثى تَلِدُ أحزاني سِوى الرِّياحِ / أَدْرُسُ الكِيمياءَ لأَعْرِفَ العَلاقةَ بَينَ مَارتينا هِينغز واتِّفاقيةِ جِنيف الرَّابعةِ / وأَدْرُسُ فِيزياءَ العَنَاصِرِ الْمُشِعَّةِ / لأُمْسِكَ الوَجَعَ في أظافرِ الرِّيحِ /
     في وَقْتِ فَراغي أَنتشلُ جُثتي مِن النَّهْرِ / مَشاعري مِنَ البَازِلْتِ / وأظافري مِنَ النُّحاسِ / للغُرباءِ فَنادقُ الملاريا / وَلِي سَريرٌ مِنَ الكَهْرمان / سأرتدي عَباءةَ البَحْرِ بَعْدَ انتحارِهِ / أَحْمِلُ تُراثَ الشمسِ على كَتِفي / لكنَّ أجنحةَ فَرَاشاتي مُنطفئةٌ / فيا طُفولتي المشقَّقةَ / أيتها البُروقُ البعيدةُ عَن أنامِلِ الشَّفَقِ/ القريبةُ مِن أحزانِ الشَّجَرِ/ضَاعَتْ رَسائلُ الجنودِ تَحتَ قَمَرِ ستالينغراد/ وَضَاعَت أدغالُ الضَّجَرِ قُرْبَ التَّوَحُّشِ في مَلامِحِ النِّساءِ/ 
     كُن أيها العُشبُ الأعرجُ مُثقَّفاً / هذا الخرابُ تُفاحةٌ يَتيمةٌ / فَاقْطِفْ دَمِي الرَّمْليَّ / أشلائي عُلْبةُ سَرْدين / وَدُموعي مِياهٌ مَعدنيةٌ / وَقَلبي المهجورُ كُوخٌ للحَشَراتِ / طُفولتي هَرْوَلةٌ نَحْوَ ضَوْءِ الجِنازةِ البعيدِ / أمشي في مَدينةِ الطاعون / وأسألُ القَمرَ عَن الشَّمْسِ / أسيرُ فَوْقَ رُخامِ الجنونِ / وأسألُ كُرياتِ دَمي البيضاءَ عَن كُرياتِ دَمي الحمراءِ / كُلُّنا غُرباءُ في دِمَاءِ الصَّنَوْبَرِ وَقُبورِ السِّيراميك / أُعانِقُ السنابلَ في حياتها / لِيُعانِقَني القَمرُ بَعْدَ إِعْدامي / وفي الليلِ الخشِنِ / أركضُ عَلى أرصفةِ الرُّعْبِ / وأكتشفُ حَياتي في أضواءِ السَّياراتِ / إِذا ضَلَلْنا الطريقَ سَنَلْتقي / وَنَعْشي مِثْلُ مُسَدَّسِ أبي / كِلاهما مَطْلِيٌّ بأجنحةِ الفَراشاتِ /
     الحزنُ المرصَّعُ بالأوسمةِ / مَاتَ الأطفالُ / لكنَّ الأراجيحَ تَهْتَزُّ / للقَمحِ أولادٌ يَزُورون يَاقوتَ البُحيراتِ السِّريَّ / سَيَنْزِفُ المستنقعُ خُدودَ ثعالبَ مُتورِّدةً / خَجَلاً مِن عُرْيِ القَتْلى / فاصْرُخي أيتها الرِّمالُ المتحرِّكةُ / ارْحلي مِن عُكَّازِ النَّبْعِ إلى أوديةٍ تَعْشَقُ اغتيالي / نُخَبِّئُ الحطبَ اللوْزِيَّ في صَوَامِعِ التَّوابلِ / وأشرعتي أُغنيةٌ للأحلامِ المشْلولةِ / أَلْمَسُ جُدْرانَ الزِّنزانةِ / أُوَزِّعُ أوردتي الجافةَ في الطُّوبِ الأحمرِ / وأَكتشفُ عُمري في توهجاتِ البُكاءِ الكريستالِيِّ / لم أكنْ أَسكنُ في ظِلالي / يَوْمَ تَرَكَتْني الصَّحراءُ للذبحِ/ تَكتبُ ظِلالُ السُّيوفِ دَمَها عَلى سَبُّورةِ الصَّباحِ بِدَمٍ بَارِدٍ/ والتِّلالُ تَلعبُ الشِّطْرنجَ في آلامي / والقَبائلُ تُطْلِقُ الأعيرةَ النَّاريةَ احتفالاً بِمَقْتلي .