20‏/07‏/2019

الهجرة إلى المستنقع اللازوردي / قصيدة

الهجرة إلى المستنقع اللازوردي / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

..............

     مَاتَ أبي تَحتَ الأعلامِ المنكَّسةِ / وأتى الفَيَضانُ / يَتَّسعُ المكانُ لِغَيْري / وتتَّسعُ أحزانُ الجوَّافةِ عَلى السِّياجِ الأمنيِّ / كُلُّ دَمٍ عَانقَ النباتاتِ على تنورةِ الزِّنزانةِ هُوَ دَمِي / لَكِنَّ وَجْهي لَيْسَ مَعي / حُزني المخدوشُ يُقاتِلُ في مَكانٍ ما / أَزُورُ جَسَدي المحنَّطَ في الْمَتْحَفِ / قِطاراتٌ تَسْحَبُ زُرْقَةَ الْحُلْمِ إلى المجهولِ / وأنا جَالِسٌ في المحطةِ أنتظرُ قَاتِلي الأنيقَ / عِظَامي في بِئْرِ قَرْيتي تَزيدُ الدَّخْلَ القَوْمِيَّ / وُلِدْتُ وفي فَمِي مِلْعقةٌ مِن اكتئابٍ/ والْحُرَّةُ ماتتْ بَعْدَ أن أَكلتْ بِثَدْيَيْها / جِلْدي مَفْتوحٌ لاحتمالاتِ المطرِ / وتابوتي يَشُقُّ أمواجَ البُكاءِ / جُلُودُنا تُغطِّي جَسَدَ البيانو / وشَظَايا أرواحِنا مُوسيقى للأيتامِ / وُجوهٌ ذابلةٌ تَسقطُ عَن شَجَرةِ الدُّموعِ / نرتدي وُجوهَ الأمواتِ / كَي نُخْفِيَ عَجْزَنا الجِنْسِيَّ أمامَ نِسائِنا / ونَذهبَ إلى نُعوشِنا في الصَّباحِ بِكُلِّ نَشاطٍ /
     الرِّماحُ تنطلقُ مِن مُسْتَوْدَعِ أشلائي / والصَّحاري لم تَعْطَشْ إِلا لِتُغْرِقَني في الصَّليلِ / كَانتْ جُرُوحي القَافلةَ / فَصَارت الطريقَ / الأناناسُ يُراوِدُ حَنجرتي عَن نَفْسِها / وَدَمْعي يَرِنُّ حِينَ يَسقطُ عَلى صَدأ زِنزانتي / نِسْوةٌ لا يَعْرِفْنَ غَيْرَ إنجابِ الذُّكورِ / وآباءٌ يُمارِسُونَ مِهْنتهم في وَأْدِ البَناتِ /
     أيها اليَنبوعُ المتمرِّدُ في قَزَحِيَّتي / خُذْ فُرْشاةَ أسناني / وَأَبْقِ أسناني لِكَي أَمْضُغَ البَلَحَ لأطفالي القَتلى / أنا الرَّحيلُ / ولا رَحيلٌ في جُفوني إِلا القَمْحَ / وَلا مَزْهريةٌ عَلَى خَشَبةِ إِعدامي إِلا الهديلَ / مِدْخنةُ مَغَارتي تُقابِلُ القِمَّةَ الجليديةَ في مَملكةِ نَشيدي / تَخرَّجتُ مِن مَدْرسةِ نزيفي / كُلُّ الخفافيشِ سَلَّمَتْني للحشَراتِ في سَقْفِ المجزرةِ / الحجارةُ المصْقولةُ عَلى دَرَجِ المذْبَحِ / وأنا أُوَزِّعُ أشلائي بَينَ الأمطارِ الخاليةِ مِن أحاسيسِ المجرَّةِ/ وأظافري تُباعُ في المزادِ العَلَنِيِّ / لِلسَّجانِ أظافرُ نحاسيةٌ / وَصَوْتُ الموْجِ يُغطِّي أمعائي الممزَّقةَ/ كأنني قِدْ عِشْتُ قَبْلَ الآنَ / في جِنازةِ النَّوارسِ/ حَيْثُ السُّفنُ تَذهبُ وَلا تَعودُ/ والانتظارُ يَغتالُ زَوْجاتِ البَحَّارةِ عَلى رَصيفِ الميناءِ/
     سَأُصبحُ مُتفائِلاً / عِندما تَصيرُ رَاياتُ القبائلِ ثِياباً لِرَاقصاتِ البَاليه / حِبالُ الغسيلِ مَجْدولةٌ مِن ضَفائرِ الرَّاهباتِ / وحِبالُ المشانقِ مَجْدولةٌ مِن الكَهْرمان / ومِكْياجُ نسائنا يَكفي لِتَجْميلِ مَذابحِنا / وَتَلميعِ جُثثِ أطفالِنا / رُوحي تَقودني إِلى قَبْرِ أبي الرُّوحيِّ / وَعِطْرُ دُموعِ أبي عَلى قَميصي / اتْرُكْنِي أَحْرِقْ طُرقاتِ المساءِ بِدُموعي الكِلْسِيَّةِ / نَسيتُ دَمِيَ الأحمرَ في الشَّاي الأخضرِ / صَوْتُ امرأةٍ غَامِضٌ يَصْعَدُ مِن أعماقِ بِئْرٍ قَديمةٍ / دَمِي انقلابٌ دَمَوِيٌّ / وَسَوْفَ يَعودُ الغريبُ إِلى البَحْرِ ذَاتَ مَساءٍ /
     للرَّاهباتِ حُبوبُ مَنْعِ الحمْلِ/ إِبرةُ بُوصلتي مَكْسورةٌ/ تَائهٌ أنا في أدغال دُموعي/ لَكني أَعرفُ الطريقَ إلى قَبْرِكِ / الجِهاتُ تَذوبُ في صُراخي / لَكني سَأَزُورُ قَبْرَكِ في جَنوبِ الشَّفَقِ شَمالِ الدِّماءِ البلوريةِ/ أنا صانعُ أمجادِ الزَّبدِ/ والشُّطآنُ تَأكلُ عِظامي/ فيا أيها الوَشَقُ الذي تُكَفِّنُهُ الحشَراتُ بِرِمالِ المجرَّاتِ/ كَفِّن التاريخَ بِجُلودِ الثعالبِ / سَيَجِدُ الشَّفقُ المرأةَ التي رَسَمَها فِي خَيَالِهِ / وَسَوْفَ يُضَيِّعُها / أَسقطُ في الليلِ السَّحيقِ / وَتَحْفِرُ دُموعي الوِسادةَ / أبكي وَحيداً / أبكي مَعَ البَعوضِ / والسُّعالُ وَخْزٌ كَرِعشَةِ الحبِّ الأوَّلِ/ أنا أُحْجيةُ الظِّلالِ/ لا شَيْءَ يُؤْنِسُ صُداعي سِوَى صَرْخَةِ الخريفِ / والبَدَوِيَّاتُ هَاجَرْنَ مِن رَعْيِ الغَنمِ إلى الماريجوانا / نَمتزجُ بالليلِ في قَلْبِ النَّهارِ / ونَشربُ الصَّهيلَ في جُمْجمةِ الحمَامةِ /
     نَسيتُ ضِحْكةَ أبي عَلى المخدَّةِ/ فاحترقتُ عَلى أجنحةِ الحمَامِ / الذي جَاءَ مِن مَشَانِقِ الغرباءِ / تَعودُ التِّلميذاتُ مِن المدرسةِ / ولا أَعودُ مِن شُروقِ المجزرةِ / يَأخذُ أحلامي البَجَعُ المهاجِرُ/ فأموتُ بِلا أحلامٍ / مِثْلَ تابوتٍ صَنَعَهُ المطرُ مِن السِّيراميكِ / جَثامينُ الأعرابِ مُلْقاةٌ عَلى خَشَبةِ المسْرَحِ / وَطاولاتُ الحاناتِ مَزْروعةٌ بَيْنَ الحمَامِ الزَّاجِلِ وسنابلِ الموْتِ / غُبارُ المقابرِ يَتطايرُ عَلى مُسْتَقْبَلي السِّياسيِّ / وأنا أَغرقُ في كُوبِ البَابونَجِ / حَاضِناً جَدائلَ المِقْصلةِ / وتاريخَ القبائلِ المكسورَ / الرِّياحُ تَشربُ القَهوةَ بَينَ القُبورِ / والذِّكرياتُ ألغامٌ تَنفجرُ في أوْردتي / والأرصفةُ التي رَبَّيْتُها تَحتَ جِلْدي / رَفَضَتْ حَمْلَ نَعْشي / أشجارُ النخيلِ تَلِدُ في جُفوني / وَقَصائدُ الغيماتِ تُلقيها القِطَطُ الضَّالةُ / مَن سَيَذْكُرُ بُرودةَ الزِّنزانةِ يا قَلْبيَ الشَّريدَ ؟ / أنا والأعشابُ جُرِّدْنا مِن مَلابِسِنا المعدنيةِ / سَامِحْني يا أبي / لم أُصْبِحْ رَجُلَ أعمالٍ / تَلهثُ ورائي البَدَوياتُ التَّائهاتُ بَينَ جِرَارِ الماءِ والمسابِحِ المخْتَلَطَةِ /
     نَسِيتُ وَجْهي في المرايا/ أَركضُ في عُروقي المفتوحةِ لِبناتِ آوَى / قَتَلَني حُلْمي/ وأَحْلُمُ أن اللازَوَرْدَ يَنتحرُ في جَسَدِ القصيدةِ / ذَلِكَ أَلَمي ياقوتٌ عَلى صَخْرةِ الوَدَاعِ / والأعشابُ جَوَازُ سَفَرٍ نَسِيَهُ البَرْقُ عَلى حَجَرِ الحنين / أَخْرِجْ رُموشَكَ مِن بِئْرِ جَبيني/ قَبْلَ أن تَزدادَ سَيَّاراتُ نَقْلِ الموْتى حَوْلَ رِعشتي/ وارْفَعْ مَعْنوياتِ القَشِّ / لأنَّ حِصاني يَتعاطى مُضَادَّاتِ الاكتئابِ / والرِّياحُ المثقوبةُ تَبحثُ عَن ابْنِها القَتيلِ تَحتَ أظافري / الحضارةُ لاعِبُ كُرَةِ قَدَمٍ / يَحْرِقُ جَسَدَهُ بالمنشِّطاتِ / كَي يَركضَ في مَداراتِ الاحتراقِ / عِندَ تَصفيقِ الجمهورِ /
     الضَّبابُ الأزرقُ فَوْقَ كُوخي / وَفِضَّةُ القلوبِ المعذَّبةِ في المساءِ المملوءِ بالمخبِرِين / مَنْ يَكْسِرُ قُيودَ البُحيرةِ في عِيدِ استقلالِ البَطِّ ؟ / سَجينٌ أنا / لا أَمْلِكُ حَقَّ التَّصويتِ في انتخاباتِ الأغنياءِ / الذين يُخْفُونَ الفِيتو في جَوارِبِهم الشِّتائيةِ / جَماجمُ العُشَّاقِ على أعقابِ البَنادقِ / وَجُمْجمتي تَسيلُ على أعقابِ السَّجائرِ / يَتمزَّقُ لَحْمي في أمطارِ الليلِ الجارحةِ / وأَهْرُبُ مِن ضَوْءِ الشَّمسِ / جِلْدي مَزْروعٌ بِكَاميراتِ المراقَبَةِ / والضَّبابُ يُؤدِّي التَّحيةَ العَسكريةَ لِنَعْشِ الفَراشةِ / سَتُحاصِرُكَ الذِّكرياتُ أيها الموْجُ / فَاهْرُبْ مِن وُجوهِ النِّساءِ /   
     تموُّجاتُ السَّوْطِ / والهياكلُ العَظميةُ المغسولةُ بالهديلِ / ضَاعَ البَحرُ بَينَ الحبِّ الأوَّلِ والرَّصاصةِ الأُولى / حِوارُ الحضاراتِ يَجْري في أدغالٍ / تُؤوي أُسرتي التي لا تَجِدُ قُوتَ يَوْمِها / أنا المواطِنُ الصَّالِحُ للاعتقالِ في كُلِّ الذِّكرياتِ / جَسَدي تابوتٌ أَم فُستانُ عُرْسٍ ؟ / أطيافُ الرَّمْلِ تأتي وَتَغيبُ / أُخْفِي وَجْهي في تُوتِ المجازِرِ / وأَخجلُ مِن شُموعِ أوْردتي / أظافري صُراخٌ في بَراري الوَخْزِ / شَعْري ضَريحٌ أَم صليلٌ ؟ / صَوْتُ الأعشابِ يَختفي في صِياحِ قَوْسِ قُزَحَ / وَلَحْمي هُوَ مَطَرُ العَارِ /
     تشتعلُ قُلوبُ النَّوارسِ في مُدُنِ الحطبِ / والقَتلى نَسُوا أشلاءَهم عَلى أغصانِ الْحُلْمِ/ وَنَسُوا أن يَحْلُمُوا / جُمهورياتُ الكُوليرا تتوهَّجُ/ والنُّعوشُ تَلْمَعُ تَحتَ شَمْسِ الخريفِ / فَيَا تاريخَ اليَمامِ / افترِسْ ظِلِّي / ولا تفترِسْ لُغتي /
     مَوْتٌ قادمٌ تَحْتَ مَجْدِ اللهِ / أطفالٌ لا يَمْلِكُونَ أُجرةَ حفَّارِ القُبورِ / فَيَحْمِلُونَ جُثَثَهم الطازَجةَ في حَقَائِبهم المدرسيةِ / وَيَمْشُونَ إلى نهاياتِ الصَّدى على جِلْدِ الأمواجِ / العُيونُ الحائرةُ وَراءَ نوافذِ المطرِ / والرُّعْبُ يُمَزِّقُ قَلْبَ الرَّصيفِ / مَصَابِيحُ الشَّنْقِ تَزدادُ شَبَاباً كُلما ازددتُ شَيْخوخةً / وَعَرَقُ الرَّاقصاتِ يَتبخَّرُ عَلى رَاياتِ القَبائلِ / التي تتقاتلُ في صَوْتِ البيانو / امرأةٌ مُغْتَصَبَةٌ اختفتْ وَراءَ السَّتائرِ الرَّماديةِ / وَظَلَّتْ رَائحةُ عِطْرِها عَلى المِرْآةِ / والبَعوضُ يُبَلِّطُ مُسْتنقعاتِ دَمِي /
     مَاتَ عُصفوري مَسْموماً / فَيَا أُغنيتي ! / أيْنَ أنتِ في هذا الحزنِ الممزوجِ بِعَصيرِ التفاحِ ؟ / يَسْتَوْرِدُ الرَّعْدُ مَساميرَ النُّعوشِ مِن سُعالي / والحقولُ المحروقةُ تَشربُ قَهْوةَ الصَّباحِ في مَساءاتِ المذبحةِ / اذْكُرْ وَجْهي أيها القَمرُ المسافِرُ في بُكاءِ النَّيازكِ / أشلائي مِعْطَفٌ لِقِطاراتِ الليلِ / والأيتامُ نائمون تَحتَ جُسورِ الأنينِ / يَنتظرونَ العَاصفةَ التي ستأتي بَعدَ هُدوءِ البُرتقالِ / أيها الزُّمردُ المكسورُ بَينَ أناشيدِ الأراملِ وَطَعَناتِ الخريفِ / أنا النَّشيدُ الدَّمويُّ في أعيادِ العُشبِ / مَاتتْ أُمِّي / لكني أَسْمَعُها تنادي عَلَيَّ / سَتَنْكَسِرُ قُلوبُ النِّساءِ عِندما تَنكسرُ المزهرياتُ في الصَّهيلِ الحامِضِ / أَعودُ مِن شَظايا مِقْصلتي المعطَّلةِ / نَزيفي جَديدٌ كَسَيَّارةِ جَارتي / وذِكْرياتي غَيْرُ المسْتَعْمَلَةِ تَحتاجُ إلى الصِّيانةِ / كَالْحُلْمِ الرَّاحِلِ في قِطارِ مُنتصفِ الليلِ /
     تاريخُ البُحيرةِ المزوَّرُ / قلبي تَحتَ الإقامةِ الجبريةِ / وَشَراييني زِنزانةٌ انفراديةٌ / كَيْفَ أُفرِّقُ بَينَ السَّجينِ والسَّجانِ ؟ / كَيْفَ أكتشفُ القَسْوةَ في مَلامحِ الصَّبايا ؟ / أَخرجُ مِن دِمائي/ لم أُفرِّقْ بَينَ جُدرانِ زِنزانتي وَجُدرانِ شَراييني/ الزِّنزانةُ لم تتقاعدْ / والرِّمالُ تَدْعَمُ الصِّناعةَ الوَطنيةَ بالأجسادِ المحترِقَةِ / كَانتْ عِظامي في السِّجْنِ / وكانَ السِّجْنُ فِيها / مَن السَّجينُ ؟/ وَمَن السَّجانُ ؟/ النساءُ المجروحاتُ في الفَجْرِ الكاذِبِ/ يَكْذِبُ عَلَيْنا الفَجْرُ / وَيَكْذِبُ عَلَيْنا المساءُ / وَنَكْذِبُ عَلى أنفسِنا / نُصَدِّقُ الكَذِبَ ثُمَّ نَكْذِبُ عَلَيْهِ / نَنتظرُ الغزاةَ كَي يُعلِّمونا الإتيكيت / نَنسى أصابعَ أُمَّهاتِنا عَلى أجسادِنا الذابلةِ / نَبيعُ عُكَّازاتِ أجدادِنا / وَنَشتري قُبَّعاتٍ مَختومةً بالكلماتِ الأجنبيةِ /
     مَن أنا ؟ / قَائدُ أُوركِسترا الأراملِ / والطَّيفُ المهاجِرُ وَراءَ سِمْفُونيةِ الحطبِ / سَامِحيني يا صَحراءَ الدَّمْعِ / إِنَّ الشُّطآنَ تنتحرُ بَينَ أسناني / سَتَقْتُلُ الرِّمالُ نَفْسَها بالخَنجرِ المفضَّلِ لَدَيْها / هَاتِفي مُرَاقَبٌ / والأرضُ هِيَ المقبرةُ المزَخْرَفَةُ / رَكضتُ إلى ضَوْءِ البُرتقالِ بَينَ قُضْبانِ سِجْني / صَوْتُ الرُّخامِ يُفَجِّرُ ضَفائِرَ الإِمَاءِ / انتحرتْ ظِلالي بالزَّرنيخِ/ والفئرانُ الشَّريدةُ في مَوَاقِفِ السَّياراتِ التَّابِعةِ لِنَاطحاتِ السَّحابِ/ سَيَمُوتُ الليلُ الأخضرُ في خِيَامِنا / فانتظريني أيتها الطيورُ المهاجِرةُ مِن قَانونِ الطوارِئِ / نُباحُ الأرصفةِ الجائعُ يَأكلُ أقدامَ الأطفالِ / أصواتُنا أربطةُ الجرحِ الأخيرِ قَبْلَ الموْتِ / ارتديتُ حِزَامَ الضَّبابِ / وَلَبَسْتُ أعمدةَ الكهرباءِ / تقمَّصت الأدغالُ وُجوهَ النِّساءِ العائداتِ مِن عَملياتِ التَّجميلِ / تَتراكمُ أشلائي مِثْلَ أعشابٍ خَانَها رَمْلٌ تقمَّصَ النَّدى / وَتَخرجُ الكِلابُ البُوليسيةُ مِن شُقُوقِ جِلْدي / ثِيابُ الحِدَادِ مُلْقاةٌ في الشَّوارع / أنا الهارِبُ الأبديُّ مِنِّي / الطيورُ تَقْطِفُ الجماجمَ عَن أغصانِ المستحيلِ / والشَّجراتُ تَحْبَلُ بالتَّوابيتِ / سَيأتي صَوْتُ الموتى مِن الضَّبابِ الخشِنِ / أيها الضَّوْءُ البَعيدُ / لَن تَجِدَ أُمَّاً تَحْضُنُكَ في لَيالي الشِّتاءِ / الأُمراءُ اللصوصُ يَحْتَفِلُونَ بأعيادِ السَّرابِ / والجيْشُ المهزومُ يَسيرُ تَحتَ أقواسِ النَّصْرِ / والقانونُ لا يَسْري إِلا عَلى الفُقراءِ / ذَلِكَ دُستورُ بَناتِ آوَى المقَدَّسُ /
     أَكَلَت البُحيرةُ بِثَدْيَيْها / ومشى النهرُ إلى الموتِ بِرِجْلَيْهِ / وَدَخلت الغيومُ في سِنِّ اليأسِ / أتى العيدُ / ولم يَأتِ الغرباءُ لزيارةِ الغرباءِ / فيا قَلبي المحكومَ بالانتظارِ الجارحِ / أستمتعُ بِعَذابي / والليلُ وَجَدَ اللذةَ في العذابِ / نَسِيَت الملكاتُ قُمصانَ النَّوْمِ في ليالي الانقلاباتِ العسكريةِ / وأشلاءُ الجواري مَنقوعةٌ في بَراميلِ النِّفْطِ .