20‏/07‏/2019

الروح في الجسد والذكريات

الروح في الجسد والذكريات

للكاتب/ إبراهيم أبو عواد

صحيفة المثقف ، 19/7/2019

............

     إن أهمية اللغة تكمن في قدرتها على جمع شظايا المعاني الرمزية التي تتفجَّر في الحروف والكلمات . وهذه القدرة اللغوية الذاتية لها دلالات فكرية وأشكال اجتماعية . وكُلما اقتربَ الفكرُ الذهني من بُنية المجتمع الواقعية، اقتربت الرموز اللغوية من العلاقات الاجتماعية المُعاشة. أي إن الرموز تأخذ أشكالًا اجتماعية واقعية ، وتُصبح على تماس مباشر بحياة الإنسان القائمة على التفاصيل والمشاعر والأحداث اليومية .
     وكُل إنسان يعيش حياتَيْن معًا:حياة في جِسمه ( الحياة الداخلية)، وحياة في مجتمعه ( الحياة الخارجية ) . وعليه أن يجد القواسم المشتركة بين هاتَيْن الحياتَيْن ، كي يُحافظ على التوازن بين الأشياء ، ويحميَ نَفْسَه من فقدان المشاعر والأحاسيس . وهاتان الحياتان تسيران جنبًا إلى جنب ، وتتوازيان حِينًا ، وتتقاطعان حِينًا آخر . ولا يُمكن السيطرة عليهما إلا بإيجاد فلسفة ( التزامن / التعاقب ) ، وتحديد مدى تغلغلها في النسق الحياتي والفكر الذهني .
     والتزامنُ هو حُدوث العلاقات الاجتماعية في نفْس اللحظة ، أمَّا التعاقب فهو حدوث العلاقات الاجتماعية علاقةً بعد أُخرى . وهذه المنظومة الفلسفية ( التزامن/ التعاقب ) في غاية الأهمية ، لأنها تكشف طبيعة العلاقات الاجتماعية ، وتُميِّز الوجوهَ مِن الأقنعة ، وتُفرِّق بين المشاعر الحقيقة والمشاعر المصلحية . والإنسانُ كائن مُحايد ، ووجوده سابقٌ على جَوهره . وما يُحدِّد جوهرَ الإنسان هو علاقاته بنفْسه والناس والبيئة والطبيعة . ووَفْق هذه العلاقات ، تتحدَّد شخصية الإنسانية ، وتتشكَّل منظومته القِيَمِيَّة ، وتتكرَّس صفاته وأخلاقه وفلسفته في الحياة ، ويتَّضح مساره ومصيره ، لأن المسار يَكشف طبيعة المصير ، وكُل جوهر له مَظهر . ولا يُمكن فصل المُرتكزات الإنسانية عن سياقها التاريخي ، وطبيعتها الاجتماعية ، ونظامها اللغوي ، وإطارها المشاعري .
     وكُلما سيطرَ الإنسانُ على نفْسه بكل تناقضاتها وتشابكاتها ، سيطرَ على العناصر المحيطة به ، والمنتشرة حَوْله ، لأن الذات الإنسانية هي الأساس في عملية ولادة العلاقات الاجتماعية ، وتشكُّلِ الوعي الذهني، الذي ينعكس على المنظومة الإنسانية بكل تفاصيلها .
     وإذا اعتنى الإنسانُ بنفْسه سيظهر في المِرآة جميلًا، ولكنه إذا اعتنى بالمِرآة ونَسِيَ نَفْسَه ، فلن يتغيَّر شيء ، لأن الأصل _ وليس الصورة _ هو أساس القيم المعرفية ، والعلاقاتُ الاجتماعية صورة مُنعكسة عن الأصل . ومهما كانت الصورة في المِرآة جميلةً وبرَّاقة، ستظل صورةً، والإنسانُ الواقف أمام المِرآة هو الأصل، والتَّعويل عليه ، وهو المصدر ( المنبع ) . ومنبعُ النهر هو الذي يُحدِّد اتجاه روافده وطبيعتها . ومهما كان البرواز أنيقًا وغاليًا ، سيظل إطارًا خشبيًّا أو بلاستيكيًّا بلا رُوح ، لأن الروح في الجسد ( الأصل ) والذكرياتِ   ( المصدر ) .