21‏/07‏/2019

الموت قبل مجيء الموت / قصيدة

الموت قبل مجيء الموت / قصيدة

للشاعر/ إبراهيم أبو عواد

.............

     اختلطَ النُّحاسُ بِنَحيبِ المكانِ / أشباحُنا تَقودُ كِلاباً بُوليسيةً / وَحُزْنُنا الكريستالِيُّ يتذكرُ أسرارَ النِّساءِ في لَيالي الشِّتاءِ / تَسقطُ الذِّكرياتُ كالأعلامِ المنكَّسةِ/ والعُيونُ الحزينةُ تَلْهَثُ في شَظايا الوَدَاعِ/ الجدرانُ المحايِدَةُ تَكتبُ اعترافاتِها بِعَرَقِ الصَّنَوْبَرِ / وَنَظَراتُ المخْبِرِينَ تَلْتقي مَعَ نَظَراتِ الكلابِ / في بُؤرةٍ مُسَلَّطةٍ عَلى قَلْبِ الجثةِ / الأسلاكُ المجدولةُ مِن شَعْرِ النِّساءِ / تُطَوِّقُ أعناقَ الكلابِ/ والصَّليلُ يَأكلُ الجثثَ الملقاةَ في إِسطبلاتِ الفِرَاقِ / سَتَمُوتِينَ أيتها القَاتِلةُ الرَّقيقةُ / وَتَظَلُّ آثارُ أقدامِكِ عَلى الرُّخامِ / أَموتُ يَوْمِيَّاً كَي أستعدَّ لمجيءِ الموْتِ / لم أَعُدْ أَشعرُ بأطرافي / أجفاني مَفتوحةٌ رَغْماً عَنها / وَمِفْتاحُ سِجْني ضَاعَ إلى الأبدِ / لا شَعْري مِعْطَفٌ لِخُيولِ عَرَباتِ الإمبراطورِ / ولا مَزْهرياتُ الأميرةِ صَوَامِعُ لِلحُبُوبِ / قُتِلْنا في طَريقِ البنفسجِ/ وأَكَلَت الحشَراتُ عَشَاءَنا عَلى ضَوْءِ الشُّموعِ / الزَّنازينُ بَينَ أصابعي / وجِلْدي مَسْرَحٌ لِلعَوَانِسِ / أنا الموْجُ في عُروقِ الزَّيْتُونِ / وَدَمْعي شَمْسٌ للغرباءِ/ وَقَوْسُ قُزَحَ يَنْحِتُ وَجْهَ المساءِ على فُحُولةِ البَحْرِ/ الشَّوارعُ تبكي كالبَرْقوقِ عَلى أجسادِ الأيتامِ/ كُلُّنا أيتامٌ / والليلُ تزوَّجَ أُمَّ النَّهْرِ / أَرْضَعَتْني النَّيازكُ الثورةَ / وأَسْمَعُ وَقْعَ أقدامِ البُحيرةِ في غاباتِ الرَّحيلِ / رَقْصَةُ البَحَّارةِ قَبْلَ الغَرَقِ / جَسَدي مَزْروعٌ بالسَّنابلِ / تَنْبُتُ الزَّنابقُ بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / أظافري انتخاباتٌ مُزَوَّرةٌ / يَزْرَعُني البَرْقُ في بُكاءِ الشَّفَقِ / وَيَحْصِدُني الرَّعْدُ عِندَ حِجَارةِ قَرْيَتي/ هَذا العَذابُ اللذيذُ / ذَلِكَ الألَمُ الشَّهِيُّ /
     أَدْخُلُ في الاكتئابِ / مِثْلما تَذهبُ المجرَّاتُ إلى الموْتِ / تَنكسرُ الحضاراتُ كأباريقِ الفَخَّارِ/ جِلْدي المحفورُ عَلى جَسَدِ النَّيازكِ / يُجَهِّزُ حَقائبَ السَّفَرِ / ولا مَنفَى في أشلائي سِوَى البَحْرِ /    أنا المنْسِيُّ في خِيَامِ الغَجَرِ / جَسَدي مَملكةُ البَعوضِ / وَاسْمي شَجرةٌ في أرشيفِ الاغتيالاتِ /     أنا المذنَّبُ العابِرُ في الأُفقِ الحزينِ/ دَمِي كَوْكبٌ بِلا مَدَارٍ/ أَفُكُّ شِيفرةَ الحيطانِ المتكاثِرَةِ في الزَّنازينِ العَقيمةِ / الأجسادُ الذابلةُ عَلى الأرصفةِ القَذِرَةِ / أستمعُ لأشعاري في ثلاجةِ القَتلى / بُكائي تفاحةٌ يَتيمةٌ بَينَ رِمَاحِ القَبائلِ / أَقِفُ في شَوارعِ جُثتي / أنتظرُ مَقْتَلَ الغَزالِ / كَي يَسِيلَ مِسْكُ دَمِهِ عَلى مَزْهرياتِ الفَيَضانِ / أَجْمَعُ تِذْكاراتِ البَحَّارةِ الغَرْقى / وَمَدَايَ أخضرُ كالطُّوفانِ /
     تاريخُ العَصافيرِ حِجارةٌ تتساقطُ عَلى مَسْقَطِ رأسي / كَمْ حُلْماً ضاعَ في نشيدِ الصَّحراءِ الوَطنيِّ ؟ / مُقَيَّدٌ أنا بالمطرِ / والأحصنةُ تَجُرُّني إلى المذْبَحِ / وتَحتَ ضَفائرِ النِّساءِ تُسْحَقُ قَوْميةُ دُودةِ القَزِّ / التفاحُ المضِيءُ / والأظافرُ اللامعةُ / وَرَاياتُ القَبائلِ المنكَّسةُ/ صَدِّقْني أيها الزَّبدُ المخملِيُّ / عِندما يَأتي النهارُ/ لَن أَكونَ مَوْجوداً / هذا الغُموضُ هُوَ جِلْدي/ وَذَلِكَ وَجْهي/ شَاهِدٌ عَلى مَوْتِ سَنابلِ خُدودي / الهيْكَلُ العَظْمِيُّ للأناناسِ / والانتظارُ القاتلُ يُحْييني / يَغْرَقُ شَهيقي في زَفيري / ولم تَعْرِفْني دِمائي المسْكوبةُ في أنابيبِ الصَّرْفِ الصِّحيِّ / وَالفَراشةُ التي أَحْبَبْتُها سَوْفَ تَلْدَغُني/ أُصِيبتْ عَازِفةُ البيانو بالشَّلَلِ/ واحتلَّ الصَّمْتُ البَنَفْسَجِيُّ غُبارَ البَراويزِ في البَيتِ المهجورِ/ مَقتولٌ أنا في الهديلِ الفِضيِّ / وَقَاتِلتي لَم تُولَدْ بَعْدُ /
     غُبارُ أُرجوانِيٌّ على زُجاجاتِ العِطْرِ / والنُّعوشُ عَلى السَّريرِ / قُبورُ الأطفالِ عَلى الأثاثِ / وَنَصُبُّ دُمُوعَنا الكِلْسيةَ في المزهرياتِ الأثريةِ/ قَصيدةٌ لم تَكتملْ لأني شُنِقْتُ / لا أُقاتِلُ كَي أَنتصرَ / أُقاتِلُ كَي أُقْتَلَ / أشجارٌ تُغادِرُ خِيامَها لِتَجْرَحَ دَهْشةَ القَمرِ / يَرتفعُ مَنْسوبُ الرَّصاصِ في عَرَقِ المجموعةِ الشَّمْسيةِ / كِلابٌ بُوليسيةٌ تَرْسُمُ صُورتها عَلى حِيطانِ زِنزانتي / وأظافري حَديقةُ حَيَواناتٍ مُنْقَرِضَةٍ / ستنامُ أكواخُ الكَهْرمانِ عَلى سَريرِ المذبحةِ / وَتِلْكَ أوْردتي المسْتَهْلَكَةُ تَحتَ قُبَّعاتِ الجنودِ الخاسرين / فيا وَطَني العابِرَ في شَظايايَ / مَن أنتَ ؟! / غَريبٌ صَوْتُكَ المائِيُّ / هَل أنتَ قِناعُ المجرَّةِ وَهِيَ تَجْمَعُ حَشَائشَ الغِيابِ أَم لَقَبي فَوْقَ بُرتقالاتِ الذبحِ ؟ / كَم مَرَّةً سَتَقْتُلُني لِتَفْرَحَ الرَّاقِصاتُ في شَظايا الخريفِ ؟ / الذُّعْرُ يأكلُ المِكياجَ عَلى وُجوهِ النِّساءِ / والبَرقوقُ يَزرعُ الألغامَ الأرضيةَ في ثقوبِ جِلْدي / أَكتبُ دَمِي المكشوفَ للبَعوضِ بالحِبْرِ السِّريِّ / والبُرتقالُ يَسألُ عَن هُوِيَّةِ النِّساءِ السَّائراتِ في جِنازتي / المزهريةُ المخدوشةُ مِشْنقةٌ للسَّناجبِ العَمياءِ / والفَريسةُ أُنشودةٌ لأزهارِ الضَّبابِ / والآبارُ تَمْشي عَلى جُلُودِ الأنهارِ / عِشْنا مَعَاً في غُرَفِ الفَنادقِ كَالْبَدْوِ الرُّحَّلِ / وَطَني لَيْسَ قَاتِلاً مَأجوراً / نَحْنُ قَتَلْنَاه / والجرادُ لا يُمَيِّزُ بَيْنَ النِّساءِ وَصُحُونِ المطبخِ / القَتلى يَحْرِقُونَ خُبْزَ قَوْسِ قُزَحَ بَعْدَ أن يَأكلوا / والخوْخُ يَصُبُّ دِمَاءَهُ في وَريدي / لا أبناءَ لِي يُلَمِّعونَ مِقْصلةَ أبيهم / وَيَسيرون إلى القَمرِ المجروحِ عَاطِفياً / أَوْصَتْني الزَّنابقُ أن أبتسمَ عِندما يَنْصِبونَ لَها عُودَ المِشْنقةِ / فاشْكُر الغرباءَ الذينَ يَنْتشلونَ جُثتي مِن أكوامِ القُمامةِ / وَسَلِّمْ عَلَيْهم نِيابةً عَنِّي / أَدخلُ في تاريخِ الاكتئابِ / كَما تَدخلُ الهِضابُ في فَترةِ الحيْضِ / نِساءٌ كالأحذيةِ / يَبْذُرْنَ أجنحةَ الفَراشاتِ في وَحْلِ الذاكرةِ/ رِجالٌ كالكلابِ البُوليسيةِ / يَغْسِلُونَ خَواتِمَ بَناتِ آوَى في النَّبْعِ الأُرجوانِيِّ / تَاهَت البُحيراتُ بَينَ فَساتينِ السَّهْرةِ / وأنا صَوْتُ الغريقِ عَلى حافَّةِ الخنجرِ المسْمومِ / أُرَوِّضُ كُرياتِ دَمِي / وقَلبي يَرْفَعُ الرَّايةَ البَيضاءَ أمامَ اللازَوَرْدِ الجارِحِ / لَيْمونةٌ تَقتحمُ عُزلةَ الرُّخامِ / وَسَوْفَ يُلَمِّعُ الملِكُ المخلوعُ أوسمته بِدُموعِهِ / هَذا حُلْمٌ / فَلْتبدأ الذِّكرياتُ بِحَرْثِهِ / هَذهِ أجندةُ السَّرابِ/ فَلْنبحثْ فِيها عَن أسماءِ قَاتِلينا/ دَخَلْتُ دَمِي مِن أوْسَعِ أبوابِهِ / وَضَبابُ شَراييني يَخْلَعُ جُنونَهُ الموْسِمِيَّ / دَمُ القِطَطِ يَضْرِبُ زُجاجَ السَّياراتِ / والشَّوارعُ تتفجرُ بَينَ أصابعي / والصَّبايا يَرْقُصْنَ التَّانغو عِندَ سُورِ مَقْبرتي / أَصنعُ مِن سُعالي مَناراتٍ للسُّفنِ والحمَامِ / وأُغنياتي عَلى الشَّاطِئِ هَديلٌ خَارِجٌ مِن الاحتضارِ / أُعَلِّقُ قِلادةَ الذِّكرى في عُنقِ الفَيَضانِ / والخرابُ يَحْتفلُ بِعِيدِ مِيلادي مَعَ البَجَعِ المنفِيِّ / والتِّلالُ تَسيلُ أوْردةً للبَراري التي تُولَدُ مِن احتضاري / يا جُثتي المضيئةَ بَينَ رِماحِ القَبيلةِ وأجفانِ القَتيلةِ / إِنَّ مَساميرَ نَعْشي زَيْتٌ لِتَلْميعِ مِقْصلتي / وأضرحةُ الصَّبايا قناديلُ مُعلَّقةٌ في سَقْفِ القصيدةِ /
     أيتها التفاحةُ النَّازِفةُ بَيْنَ خَشَبةِ المسْرحِ وَخَشَبةِ الصَّليبِ / أنا نهاياتُ الخريفِ وبِدايةُ الصَّدى / قَارورةُ عِطْرِكِ تَدُلُّني عَلى ضَريحِكِ / فَأَطْلِقْ يَا قَمَرَ الخريفِ رَصاصةَ الرَّحمةِ عَلى الذِّكرياتِ / كَي تَرْحَمَني عُيُونُ النِّساءِ عَلى رَصيفِ الميناءِ / سَيَكتبُ الخريفُ أسماءَنا عَلى رَصاصةِ الحبِّ الأوَّلِ / والضَّبابُ سَيَعودُ إلى كُوخِه في شَمالِ بُكائي / ولن يَجِدَ امرأةً تَنتظرُهُ / المتاجرُ الأجنبيةُ / والمدارسُ الأجنبيةُ / والوجوهُ الأجنبيةُ / والدِّماءُ الأجنبيةُ / لم يَعُدْ للسُّنونو وَطَنٌ / أنا وَطَنُ الاحتضارِ / وقلبي بَينَ الصدأ والصدى / أَغيبُ في قُرْحةِ مَعِدَةِ الغابةِ / والقمرُ يَنتظرُ شُروقَ الحزنِ في أوْردتي / زِنزانةٌ بِحَجْمِ عَيْنٍ دَامِعةٍ / تَتَنَزَّهُ عَلى غُصونِ بُحَيْرةٍ/ والبَدْوُ الرُّحَّلُ يَضَعُونَ آخِرَ نَظرياتهم في الفَلسفةِ/ يتدفَّأُ الأغرابُ في أثداءِ نِسائهم / وأتدفَّأ في أطيافِ مُذكَّراتِ اعتقالي / وفي ذِكْرى هِجْرةِ الرِّمالِ إلى الرِّمالِ / كَشَفَتْ أوحالُ الشَّوارعِ خُطَطَ تَصْفيتي جَسَدياً / ماتت الدَّوْلةُ / فما فائدةُ مَحْكمةِ أمْنِ الدَّوْلةِ ؟! / العُشَّاقُ يُمارِسُونَ الجِنْسَ في الإسطبلاتِ / والقَشُّ يَحترقُ /
     مِثْلَ شاعرةٍ تَنتحرُ في المطبخِ بَينَ الحبِّ الأوَّلِ ورائحةِ البَصَلِ / كانتْ ضَحِكاتي/ فاكتشفْ ضَوْءَ السَّنابلِ في المقابرِ / أشياءُ انكسرتْ فِيَّ / والموتى سَيَعْرِفُونها / يا وطني المشقَّقَ مِثْلَ أحاسيسِ الصَّبايا / صِرْنا في عَالَمٍ لا يَتَّسعُ لَنا نَحْنُ الاثنين / فَخُذْ مَوْتي حَياةً لَكَ / وَمَجْداً لأشجارِكَ / اقْتُلْنِي رَمْلاً / أَرِحْني مِن بُكاءِ الضَّائعاتِ في شوارِعِكَ المطفأةِ / جُذورُ السَّرابِ تَنمو بَيْنَ أسناني / وَدَهْشةُ الوَردِ تَقْضِمُ جَدائلَ بائعةِ العِلْكةِ على إشارةِ المرورِ / يتقاطعُ الشَّهيقُ والزَّفيرُ في أزقَّةِ شَراييني / وطُرقاتُ بَلْدتي تتجمَّعُ في خُطوطِ يَدِي / صَارتْ رُقْعةُ الشِّطْرنجِ قَبْراً جَمَاعياً لأدغالِ الصُّراخِ /
جُرِحْتُ في مَعْركةِ الخيَالِ/ والمراعي تنتخبُ غُصْنَ الشَّفَقِ نائِباً عَن ذَبْحتي الصَّدْريةِ / أَمشي مَعَ الصَّدى المعدنِيِّ/ أبحثُ عن أنقاضي في أحلام الطفولةِ/ وأبحثُ عن الطفولةِ في سُعالِ الحِجارةِ /
     أَحْمِلُ مِيراثَ الشَّمْسِ لأَصيرَ قَمَراً في شِتاءِ الأراملِ / انتحرت البَجَعَةُ / وَبَقِيَتْ رَائحةُ البَصَلِ عَلى قَميصِ نَوْمِها / صُداعي سَطْوٌ مُسَلَّحٌ عَلى نزيفِ السنابلِ / وإِن افْتَرَقْنا تَحتَ صَنَوْبَرِ المقبرةِ/ سَنَلْتقي عَلى رُخامِ الإعدامِ/ رُبَّما تُصْبِحُ مَشَاعري بَيْضةً لِنَسْرٍ غَامِضٍ / سأمشي لأَعْرِفَ أنَّ رُموشي قُبورٌ للأطفالِ / فَكُنْ يا دَمْعي رَشيقاً / كَشَمْعٍ يَنتظرُ الإعدامَ بالكُرْسِيِّ الكَهْربائيِّ / يَنتشرُ مَساءُ سَراييفو عَلى رُؤوسِ الرِّماحِ / فيا وَطَني المقتولَ في الحزنِ البُرتقالِيِّ / الصاعِدَ مِن التَّطهيرِ العِرْقِيِّ / المجروحَ في مُعادَلاتِ الكِيمياءِ / حَمَّلْتَني مَسؤوليةَ الأخْذِ بثأرِكَ مُبكِّراً / فَلَمْ أَعِشْ طُفولتي قُرْبَ أراجيحِ اللوْزِ / عِشْتُها في الدِّماءِ المعجونةِ بِرَاياتِ القَبائلِ/ كُلما قُتِلْتُ قَشَّرَ السرابُ أظافري / وَبَيْنما كُنَّا نَبيعُ الوَطَنَ / كُنَّا نترنَّمُ بالأناشيدِ الوَطَنيةِ عَلى ضَريحِ قَوْسِ قُزَحَ / اعْذُرْني أيها الوَهْمُ/صَارَ اللازَوَرْدُ مُشْتَبَهَاً بِهِ/وَصِرْتُ مُشْتَبَهَاً بِهِ/
     أيها المحارِبُ المقتولُ بَينَ صدأ أوسمته وحليبِ زَوْجته / إِنَّ الدِّماءَ مَسْقوفةٌ بِعُلَبِ السَّرْدين/ والقوائمُ السَّوداءُ في الشَّاي الأخضرِ/ اضحكْ أيها الوَحْلُ المعدَّلُ وِراثياً / سَتَلْمَعُ أظافري تَحتَ قناديلِ الزِّنزانةِ / وأنا زِنزانتي خَارِجَ مرايا الصَّدى / فادفعْ ضَريبةَ الدُّموعِ عَلى حافَّةِ الشُّموعِ / قَد نستخدمُ العِطْرَ نَفْسَهُ / لكننا سَنَمْشي في طَريقَيْنِ نَحْوَ المقبرةِ / خُدُودُ الصَّبايا تَنْزِفُ نِفْطاً / والإِمَاءُ يَنْتَظِرْنَ نُزولَ الوِيسكي مِن أثداءِ الأبقارِ / سأركضُ في مَداراتِ النَّعناعِ / لأرى زَيْتَ الزَّيْتُونِ يَسيلُ بَيْنَ قُبورِ عائلتي / الشُّطآنُ تَركضُ إلى جُثَثِ الفُرسانِ/ والطاعونُ يَقْضِمُ الغَيماتِ المنثورةَ على أهدابي / أَبحثُ عن دُموعِ النِّساءِ بَينَ المحكمةِ العسكريةِ والجِنازةِ العسكريةِ / فَكُنْ يَا حَبْلَ مِشْنقتي ذَكَرَاً / كَي أكتشفَ أُنوثةَ المِشنقةِ / حَقائبُ السَّيداتِ تَدْريبٌ على الذخيرةِ الحيَّةِ / والهديلُ المرُّ يَجْلِدُني / قَمَرٌ أعمى يُولَدُ في الصَّهيلِ كأحاديثِ الغرباءِ / وَتَمُرُّ الشُّهبُ فَوْقَ رُؤوسِنا المقْطوعةِ / تَسيلُ الدِّماءُ الرَّشيقةُ عَلى وَشْمِ المذبحةِ / وَقُيُودُنا مَاركةٌ مُسجَّلةٌ / أُصيبَ بالزُّكامِ مَوْجٌ رَاكِضٌ عَلى جِلْدِ قِطٍّ أعْوَر / ونِساءُ قَرْيتي يَحْفِرْنَ عَلى السَّلاسلِ لُغةَ النَّخيلِ /
     انتظريني عَلى شَاطئِ السُّعالِ / لأني سَأُبَلِّطُ البَحْرَ بالسِّيراميكِ / انقسمَ ظِلِّي كالدُّوَيْلاتِ اللقيطةِ / أُنَقِّبُ عَن عِظَامِ اليتامى في صَحْنِ العَدَسِ / جِلْدي مَطْلِيٌّ بالعَناكبِ / وَضعتُ ثِقتي في غُبارِ الأضرحةِ / ولا شَيْءَ في دِمَاءِ الغريباتِ يَدُلُّ الفَراشاتِ على أحزانِ أُمِّي / هَلْ دُموعي عِشْقٌ أَم سُوقٌ سَوْداءُ لِبَيْعِ الأعضاءِ البشريةِ ؟ / أنا وَحُزْني المشرَّدُ عَائِشانِ في السَّرابِ / قَتيلانِ في تاريخِ اليَمامِ / أرتدي جُمجمةَ الرِّياحِ / وَجَسَدي مَدارٌ يَطُوفُ فِيهِ بُرتقالُ المستحيلِ / سَيَزْرَعُ الرَّمْلُ الطعناتِ في صَدْرِ الجِنرالِ / وَهُوَ يُبَدِّلُ طَقْمَ أسنانِهِ في الحمَّامِ الرُّومانِيِّ /
     الجرحُ الاعتيادِيُّ / والسِّجْنُ الانفرادِيُّ / تَشربُ الأمواجُ الصَّدى في جِلْدِ خِنْزِيرٍ بَرِّيٍّ / شَجَرةٌ خَجُولةٌ اسْمُها الذاكرةُ في حُقولِ الجِنْسِ / تهاجرُ أسماءُ السُّجناءِ مِن دَفاترِ العاصفةِ إلى أحلامِ العَوانِسِ / نَسْكُبُ الزَّنجبيلَ في السَّرابِ / أنا جُثةٌ هَامِدةٌ / والأُنثى جُثةٌ هامدةٌ / فَكَيْفَ تُمَارِسُ الجِنْسَ جُثتان ؟!/ أنا شَعْبُ الأضرحةِ/ أَمُرُّ في سَنَوَاتِ الغَيْمِ رُمْحاً/ تَمُرُّ النَّيازكُ فَوْقَ هَاويةِ الفِضَّةِ / والتاريخُ وَاقِفٌ عَلى حَافَّةِ البُرتقالِ / كُسِرَتْ إِبْرَةُ النَّحْلةِ / والحضارةُ ضَاعَتْ في أدغالِ البُكاءِ / للتفاحِ مَواعيدُ الثوارِ / وَقَبْري يَزْحَفُ باتِّجاهِ أبجديةِ الصَّليلِ / نَسِيَ المطرُ القصائدَ المحنَّطةَ عَلى أكياسِ القَمْحِ / والشَّلالاتُ تَلْمَعُ كالدِّماءِ مَنْزُوعةِ الدَّسَمِ/ أُخَزِّنُ دَمِي في رَحِمِ الأرضِ/ كَي يَنامَ المخبِرُونَ عَلى الرُّفاتِ / ويُهاجِروا مِن الزَّوابعِ المنسِيَّةِ بَيْنَ المرايا والتَّنانيرِ القَصيرةِ / سَيَخْرُجُ البُوليسُ السِّياسِيُّ مِن خُدودي / هذه أرْضي / وأنا رُموشُها الجارحةُ /
     أيتها الملكاتُ التائهاتُ بَيْنَ الرِّيجيمِ وَالعَرْشِ المفقودِ / إِنَّ النوارسَ نَسِيَتْ لُغةَ الترابِ / امرأةٌ تَفتحُ ثدْيَيْها للكلابِ الذهبيةِ / ثُمَّ تُنَظِّرُ في حُقوقِ المرأةِ / تَشربُ الحِجارةُ قَهْوتي / ولا شَيْءَ يُؤْنِسُ وَحْشتي سِوَى حَضارةِ البَعوضِ/ تَنكسرُ القلوبُ كالمزهرياتِ/ وَضَوْءُ القَمرِ سَيَقْتُلُكَ أيها الغريبُ /
     كَعَاهرةٍ مُحْتَرِفةٍ وَضَعَتْ ثِقَتَها فِيكَ لِتَجْرَحَكَ/كانتْ أحزانُ الشوارعِ/ اشتريتُ الملِكاتِ مِن سُوقِ النِّخاسةِ / والطريقُ إلى مَملكةِ جُرْحي مُغْلَقٌ / فلا تتحرَّشْ يا ضَوْءَ الجِنازاتِ بِقِرْميدِ كُوخي / التمسْ لِي عُذراً / إِنَّ جُثتي في حُفَرِ المجاري / وتابوتي طاولةُ شِطْرَنْج/ والجِرذانُ تَلْعَبُ كُرَةَ المِضْربِ عَلى نَعْشي / سَقَطَ التاريخُ في بِئرِ العِشْقِ / أَسيرُ على الشاطئِ الباكي / والجثثُ تَطْفو على سَطْحِ البَحْرِ / وَالليلُ ما زَالَ يَبْكي / فيا أيها الْحُلْمُ المزروعُ بالحواجِزِ الأمنيةِ / انظرْ إِلَيَّ لِترى الموْتَ / أنا الموْتُ الذي لا يَموتُ / ذَهَبَ جسدي إلى الْحُفْرةِ / وَبَقِيَتْ دُموعي عَلى سَجَّادةِ الصلاةِ / أنا الْمُصَلِّي وَسَجَّادةُ الصلاةِ / أنا السَّاجِدُ والمسجِدُ /
     أَكلت النسورُ الهياكلَ العَظْميةَ / وَلَن تتعرَّفَ أُمِّي على جُثتي / أَسيرُ في حَنجرةِ حَمَامةٍ / وَحِبالُ المشانقِ تَرِنُّ في أُذني/ أيها التَّائهُ في حَطَبِ الكَلِمَاتِ/ قَد صَدَرَ حُكْمُ إعدامِكَ قَبْلَ المحاكَمةِ / فلا تُدافِعْ عَن ظِلالِكَ المعدنيةِ وَرَجْفةِ أُمِّكَ / اقْتُلْ أطيافَ رُمُوشِكَ / وَعِشْ في رُوحِ امرأةٍ / حِينَ تَموتُ رُوحُ الحضارةِ / تاريخي مُزَيَّنٌ بالعناكبِ / سَقَطَت الأحلامُ في مَعِدَةِ بَعوضةٍ / يَسيرُ دَمُ الرَّعْدِ في شراييني / أَحْمِلُ تُراثَ الشَّمْسِ في رِعشتي / لكني المقتولُ بَيْنَ شَهيقي وَزَفيري / أَنقذتُ النهرَ مِنَ الاكتئابِ / وَسَقَطْتُ في الاكتئابِ / يتفرقُ دَمي بَيْنَ القبائلِ / كَما تتفرَّقُ أحلامَ الصبايا في لَيْلةِ الدُّخلةِ / وَيَمشي المهرِّجونَ عَلى حِبالي الصَّوْتيةِ / وَاثِقينَ مِن السُّقوطِ / ولم يَكُنْ دَمْعي غَيْرَ مُسْتَنْقَعٍ للضفادعِ .